خرابيش – 5
والله يفعل مايريد
في أوائل السبعينات كان مسلسل
"دالاس" من أنجح المسلسلات الأمريكيه التي عرضها تلفزيون الكويت مازلت
أذكر تحلقنا حول تلفزيون الفيليبس الملون الجديد ونحن نترقب مكائد وخدع جي أر في
عالم المال والنفط وكنا نحلق مع عائلة المسلسل وماتنعم به من ثراء وخصوصا مزرعتهم
الخاصه المسماة ساوث فورك وخيولهم وأسطبلاتهم, في تلك اللحظات من المستحيل أن يخطر
على ذهني وأنا طالب بالمرحلة الثانويه أنه في يوم ما سأعيش في دالاس وأن مابيني
وبين ساوث فورك رانش لايزيد عن أربع مايلات فقط.
وفي خريف عام 1982 عندما سافرت الى تركيا في
أسبوعين عسل, في المطار تعرفنا على شاب فلسطيني كان ينتظر أحد المسافرين القادمين
معنا من الكويت, ليساعدنا في حجز فندق والتعرف على أسطنبول ولنحمل هداياه لخطيبته
في الكويت, من المستحيل أن يخطر على بالي أو على بال أي أحد في مكاني أن هذا
الأنسان بعد عشرين عاما من التعرف عليه وقرابة عشرة أعوام من طلاقي سيكون زوج
مطلقتي هنا في أمريكا.
و بعد الطلاق والتأكد من أستحالة أصلاح الصدع
بدأت بالبحث عن شريكه جديده تكمل معي درب الحياه, وجائتني من الكويت صورة مع توصيه
من زوجات أخوتي بأن صاحبة الصوره تحمل مواصفات كل ماأبحث عنه, ضحكت كثيرا وأرسلت
لهم فاكس (لم يكن الأيميل مكتشف بعد) شارحا أستحالة أرتباطي بأنسانه عن طريق
الصوره وخصوصا ان هناك محيطات وقارات تبعد بيننا بالأضافه الى أن ذلك ضد كل ماأعتقد
به من رومانسيه وقدسيه للتعارف وكيف ونحن بالقرن العشرين نرجع لأسلوب الصور كوسيله
للزواج. ظلت الصوره في درج مكتبي أكثر من عام ليفتح الموضوع من جديد بأن كل منا
يعطي فرصه للأخر للتعارف, وماهي الا ثلاث فاكسات حتى كان الفأس قد وقع بالرأس.
الغريب بالأمر أن هذه الفتاه كانت حولي وبكل الأماكن التي كنت أتواجد بها عندما
كنا طلابا في الثانويه والجامعه ومن خلال نشاطاتنا الطلابيه بأتحاد الطلبه, وكما
هي تعرف كل اصدقائي فأنا أعرف كل صديقاتها والمحيطين بها, لكن مشيئة علام الغيوب
وضعت بيني وبينها حجابا فلا يوجد لها بذاكرتي أي أثر الا من خيالات بلا تفاصيل كما
هو الحال لديها لتمر السنين ويتزوج كل منا ثم يطلق حتى يأذن الله بالوقت المناسب
لنتعارف لتكون أغلى هديه من رب العالمين لي ولأولادي ولتلعب دورا في الستة عشر
عاما الماضيه كانت به حجر الأساس لأسعد سنين عمري لي ولعائلتي. ومازلت أقول لها
أنني مازلت أنبش عنها
بأرشيف ذاكرتي وأتسائل كيف لم أستطع أن أتعرف عليها من زمن
بعيد.
وفي نهاية صيف عام 2008 أقتربت برأسي الى
صديقي عمر القوقا ونحن جالسين مع أسرتينا في أحد مطاعم مدينه أوستن وقلت له لو
تخيلت أن أمامنا الأن نافذه نستطيع أن نعبر بها الى الزمن وننظر بها الى انفسنا
عندما كنا طلابا في المرحله المتوسطه أو الثانويه أو حتى الجامعيه هل كان سيخطر
ببالك أو بالي أن بناتنا سيدرسون يوما بنفس المدينه ونفس الجامعه, قال حتى لو حلمنا
بذلك وخططنا له فلن يحدث بالصوره والمضمون الذي يحدث الأن.
أني أعلم والله هو أعلم العالمين أن كل من
يقرء هذه السطور وقد اصبح لديه في جعبته من أحداث السنين مايجعله يرجع لما كان وما
سيكون وربط النقاط بالحروف فأنه سيجد يد الرحمن متجليه في رسم خطوط حياتنا حيث
يجزينا مع الصبر والرضا أكثر بكثير مما كنا نتصور أو حتى نستطيع أن نحلم به.
المخربش
رياض غوشه
ديسمبر 27-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق