kharabish

الاثنين، 21 مارس 2011

الى أم رياض مع التحيه 2011


أهدي هذه المقاله لزوجتي الغاليه بادرة التى كانت خير أم لأولادنا منى وطلال وفرح

أم رياض

هاهو صحن الفتوش قد هبط  ليأخذ موقعه من منتصف المائده قبل دقائق من مدفع الأفطار الذي ننتظره بفارغ الصبرو الذي نترقب سماعه من مذياع الفيلبس وأعيننا تترقب عقربي الثواني والدقائق وهما بتكاسلان بحركتهما ربما غيظا لنا أو تشويقا, مازال الحصري يتلو أيات من القرأن الكريم وأم رياض تتحرك بنشاط وخفه في مطبخها الصغير لتعد لأسرتها مائدة شهيه ليكسروا بها صيام أحد أيام صيف الكويت الحاره


كنت لم أتجاوز بعد الأثنى عشر ربيعا أخذت مكاني على الطاوله وأمامي وامام كل من أخوتي كأس من الماء البارد الذي ننظر اليه ونحن نتوعده بأن نسكبه كله مرة واحدة حتى نظفئ بعذوبته جفاف يوم طويل من الصيام في صيف الكويت شديد الحرارة, كان أبورياض كعادته يساعد زوجته ويلقي توجيهاته ونصائحه وكيف لا وهو الآمر الناهي ويستعجل الأمور فكل شيئ يجب أن يكون جاهزا بالتو واللحظه ويزيد من أندفاعه ودفعه للأحداث سرعة بحركته وعلو بنبرة صوته وكبر بفتحات عينيه وصطكاك لأسنانه.

لاأعلم أنا أو أي من أخوتي ماحصل فعلا لكن هناك عود من الثقاب أصاب خزان ابورياض من وقود الغضب سريع الأشتعال ففجأة علا الصياح وأخذنا نسمع "أنا قلت وأنتي قلتي" "وماحدا بيسمع كلامي" "وأنا لما هقول شيئ لازم يصير" " وشوبهمني بأبو فلان وأم فلان" وماالى ذلك من سمفونيات الرعب ورعد الوعيد. في هذه الأحوال ينكمش كل منا ويتصنم في مكانه فأي حركة غير محسوبه او محسوبه قد تكون سبابا مباشرا أوغير مباشر لتفتح عليك الغيوم السوداء سيلا من فشة الخلق وتفريغ لضغط أنبوب الزعل. وبخطوته السريعة المعتاده يخرج أبو رياض من البيت وقد صفق الباب صفقة سمعته كل شقق البناية العشر, لم يأكل أبورياض اي لقمة ولاحتى لامست شفتيه شفة ماء ولا يعلم اي منا أين ذهب ولما ذا هذا حصل.

مع ان مدفع الأفطار قد ضرب لكن أي منا لم يمد يده لكأس الماء الذي كنا نتغزل به قبل قليل كانت كل أعيننا مصوبة باتجاه واحد نحو أمنا التي جلست على الطاوله وهي تستعيذ بالله وتستعين به في لحظات قصيرة تمر عليك كالدهر وأنت تشهد بأن اعمدة البيت الرئيسيه أصبح بينها شد ونفورو يهبط على قلبك شعور من الخوف وقلة الحيرة وسؤال ينط الى ذهنك ماذا لو .... ماذا سيحصل لنا ..... وماذا سنفعل, ولسنة الحياة بكوني الأكبر بأخوتي أحس بالمسؤوليه ويبدء الخيال يسرح فيما لايسر الخاطر ولايهدء النفوس

ويقطع فيلم الخوف الذي أخذ يلعب بأفكارنا صوت أم رياض وهي تطلب منا أن نفطر وتجلس لتفطر هي أيضا فقد كان هدفها الأول أن يستمر روتين كل يوم وذلك بتهميش ما حدث للتقليل من وزنه وصدى عنفه ووقعه ثم تبدء بتهدئة النفوس: أنتو عارفين أنه أبوكم بعصب بسرعة وهو هلق بيهدء وبعد شوي بيرجع أكيد كمان شوي راح يجي مش معقول يروح مكان.

وفعلا على وقع كلماتها أحسسنا بنوع من الطمئنينه وفعلا أن والدنا عصبي وسريع الغضب وكلنا يعلم كم هو طيب وحنون, ويعود الجدول الى خط سيرة الطبيعي ويعود كل منا الى صحنه ليملؤه ويبدء بصب مابه في معدته الصغيره. لكن أبو رياض لم يعد وهانحن قد شبعنا وأصبحنا نترك الطاوله الواحد بعد الأخر.

كانت أمي طوال هذه الدقائق تفكر وكنت أرى بعينيها وعضلات وجهها علامات ما يدور في ذهنها وقد أمسكت بالدفه تريد أن تنجو من أنواء العاصفه وتنقذ السفينه بما حملت ووجهت لي أول أمر: روح ياأمي وشوف سيارة أبوك بره. وأرجع لها مسرعا: نعم يأمي سيارة أبوي بره.

وبحسبة بسيطه وضعت بها كل الأحتمالات عرفت أن والدي موجود في الجامع القريب من بيتنا حيث أكيد سيصلي المغرب وربما يظل  حتى صلاة العشاء والتراويح وربما بذلك يكون قد وصل رساله عن مدى زعله وغضبه.

وهي تضع يدها على كتفي وتقترب برأسها مني بدئت تذكرني بما يعانيه والدي رحمه الله من مرض السكري ومدى أهمية أن لايزعل حيث أن ذلك سيزيد من أرتفاع السكري لديه وبأنه مهم جدا أن يأكل بعد يوم صيام طويل وقالت لي: ياأمي روح على الجامع ودور على أبوك هناك وقوله علشان يجي يفطر, ومن ثم صمتت.

لم تكن رحمها الله تتقن فن الكلام وكانت كثيرة الخجل وتحسب لكل شيئ الف حساب وتوقفت أمام مايدور في صدرها من مشاعر وأحاسيس لكن بفطنتها وبديهيتها وخبرتها بزوجها أخذت توصيني بما أقوله له: قوله يأمي أنه أحنا ماألنا غنى عنك, وأنه أنت عمود البيت وأنته الأساس وأنه هو قلبه كبير وبيسامح وأنه أحنا برمضان وشهر فضيل وأنه لازم يرجع على البيت. وأكدت علي أكثر من مره بأن لاأرجع بدونه.

وخرجت متوجها الى الجامع وأنا أحمل على كتفي مهمة كبيرة, أني أعلم تماما طيبة والدي وحنانه لكنني أعلم علم اليقين بعنادته واصراره أذا أتخذ قرارا أو عزم على أمر ما. بنفس الوقت كنت أتسأل بنفسي هل سيسمعني ويأخذ كلامي على محمل الجد وأنا فتى صغير وامام ناظري اخذت أرى قسمات وجهه وقد تكلمت كل ملامحه بما به من غضب فخفت وتسرب الرعب الى قلبي, لكنني يجب أن أنفذ المهمه التي وكلت بها وأخذت أسترجع كلام أمي حتى لأنسى منه شيئا وأتخيل نفسي كيف سأقوله لوالدي وبدئت بأخراج المشهد وكيف سيكون وماذا سافعل أن لم يحدث ما أتوقع.

وولجت الى مسجد الشايجي الذي يبعد عشرة دقائق سيرا على الأقدام وأتجهت بنظري الى الجهة اليمنى منه حيث أعتاد والدي أن يصلي في الجانب الأيمن في معظم الأحيان كان قد جلس واسند ظهره الى حائط المسجد وقد وضع نظارة القراءه تاليا لكتاب الله الذي حمله بين يديه. وكأن هناك أشارة ما لمست قلبه  لأجده يرفع نظره ويتجه بوجه الأبيض المشوب بالحمره الى باب المسجد ليرى ابنه البكر داخلا ومتوجها اليه.

حدث أنني قد رأيت بملامح أبي أشارتين تأتياني بنفس الوقت فقد شعرت بفرحته لرؤيتي وعلمت بنفس الوقت بانه مازال غاضبا ومازال رماد ماحدث مشتعلا متأججا. اقتربت منه وجلست بجانبه ليفاتحني قائلا: شوفي.

وكأنه يقول لي سمع ماحفظته ورددته طوال الطريق الى الجامع. وبدئت الكلمات تخرج كيفما كان فقلت له: ماما بتقول تعال على البيت علشان تفطر وأحنا كلنا بنحبك كثير ومابصير أنته تزعل علشان عندك سكري وأحنه كلنا ولا أشي بدونك. فتبسم وقال لي طيب قول لماما بس بابا بدو يصلي العشى وبيرجع على البيت. وتذكرت كلام والدتي وحرصها على أن يرجع والدي معي, فجمعت كل شجاعتي وقلت له: مش راح أرجع الا أنا واياك.

وماكانت الا نظره واحده وهزه واحده من رأسه وقد أطلقت لساقي العنان لأخبر أم رياض بأن أبو رياض سياتي بعد صلاة العشاء فسألتني سؤال واحد: وكيف كان, قلت لها عادي, أخذت الجواب لتبدء بتنظيف الطاوله وأرجاع الطعام للمطبخ لتفرده مرة أخرى ساخنا طازجا عندما يرجع بعد صلاة العشاء وكأن شيء لم يكن.

لقد كانت أم رياض المدرس الأول لي في تعليمي الأسس الأولى في معاركة الحياه وقد أورثتنا سر حب الناس لها بافعالها بأن تحب كل الناس ولا تكره أحد وتتمنى الخير للجميع

رحم الله والدي وأسكنهم فسيح جناته

رياض غوشه
21 مارس 2011