kharabish

السبت، 21 مارس 2009

الى أم رياض مع التحيه 2009


أعزائي وأحبائي جميعا:

 

ظللت ولفتره طويله مرتبطا مع الأعياد الرسمية للكويت فأول يوم في رمضان هو يوم ما تثبت رؤية الهلال في الكويت وكذلك احتفالي بالعيدين وطبعا لا أنسى العيد الوطني فالكويت بالنسبة لي هي الوطن ودائما أذكر مثلا كان يكرره والدي رحمه الله "نحن لا نرمي حجرا في بئرا شربنا منه" وغدا يصادف عيد الأم وسأنتهز هذه الفرصة لأذكر بعض ذكرياتي مع أمي رحمها الله:

 

فراق ولقاء 

في أخر يوم من الشهر التاسع من السنة التسعين بعد التسعمائة والألف, كانت آخر مرة أتناول طعام الغذاء على مائدة والدي رحمه الله, وبصحبة جميع أخوتي, وعندما حان الوقت للمغادرة عانقت والدي بحراره وقبلت يده وطلبت رضاه ثم أتجه لوالدتي لتعانقني وأنا أحاول بكل ما لدي من قوه أن أتماسك واكون صلبا وأحاول أن أضيف الى الجو روح النكتة وأن كل الأمور عادية وعلينا أن لا نتشجنج ونأخذ الأمور ببساطة, قالت لي أم رياض وعيناها تنظرا الى عيناي كأنها تريد أن ترى كل ما تخبئه نفسي أوربما لتلجئ لي بكل مخاوفها " خائفة أن لا أراك مرة أخرى" فرددت عليها بسرعه مضيفا على صوتي نبرة الواثق مطمئنن أياها "لا تخافي أمريكا قريبه ماهي إلا تذكرة طيارة وثاني يوم أكون عندك" وذهبت. ظللت كلمات أمي ترن في أذني ويزداد رنينها مع كل عام يمضي وأنا بعيد عنها ويعتصرني خوف من أن تترجم هذه التعابير الى حقيقة، حتى جاء والدي لزيارتنا في صيف عام تسعة وتسعين بعد التسعمائة والألف، وكانت أم رياض تقول: " الحمد الله يا أمي اللي شوفتك", والحمد الله أنني رأيتهما ذاك العام. الغريب أن الشطر الثاني من الحوار هو الذي كان صعبا فمع انها ماهي الا رحلة طائره فهاهي تعدت التسعة عشر عاما ولم أستطيع أن أقوم بها.

 

القرصة المفك 

كانت رحمها تريدنا أن نكون في أحسن حال وخصوصا أذا كنا في زيارة ما, فيجب أن نجلس بجانبها مصفوفين كأننا دمى مبتسمين وفي غاية الأدب والهدوء وهي طبعا أشياء مستحيلة بالنسبة لرياض ورحاب ورائد ونحن بعد مازلنا في سنين الطفولة المليئة بالحيوية وحب الاكتشاف واللعب, وفي حال أننا بدأنا بالتعدي على بعض الأت "لا تتحرك من جنبي" "لاتأخذ شيئ حتى أنا أعطيك أياه" "لاتوسخ أوعيك" وبدأنا نسمع "كن وأقعد" و"بس وخلص" ونحن مصرين على مانحن به من حركة ولعب حتى تقوم رحمها الله وبكل هدوء ودون سابقة أنذار بتنفيذ قرصة صغيره في اليد أو الفخذ تسري في عروقنا سريان الكهرباء ونجلس بعدها كألأصنام, ببساطه كانت تمسك اللحم بالأبهام والسبابة وتلف يدها كما تلف المفك مع الشد الى أعلى. بصراحة لقد كانت هذه واحدة من الأدوات التي ورثتها عن أمي في تربية أولادي وقد لا حظت مع ما تسعفني به الذاكره أن خالتي أم جاسم كانت تستدخدم نفس الأسلوب التربوي والظاهر أنه أسلوب كانت تستخدمه جدتنا أم عبدو رحمها الله.

 

للضيوف فقط 

في أي يوم تفتح به الثلاجة في بيت أبورياض الا وتجد صفوفا من مالذ وطاب من حلويات أم رياض, فقد تكون مهلبية وقد غطت وجهها بجوز الهند أو رز بحليب, أوجلي, الى أخر قائمة الحلويات, وهناك رف أخر في الثلاجه من نفس نوع الحلو المتوفر في ذاك اليوم لكنه مصبوب بصحون أو كاسات عادية مختلفة الألوان والأحجام طبعا هذا الرف لحضرتنا أولاد أبو رياض, وياويله وياسواد ليله أذا أحد منا مد يده على مايحتويه رف الضيوف, لكن وبعد أن نخلص على نصيبنا ومازالت شهيتنا تريد المزيد وبما ان والدينا يغطون في نوم القيلوله نقوم بعلمية سطو على مايحتويه رف الضيوف ماهو الى صحن أو صحنين, وبعد أن نملئ بطوننا الصغيره نرجع الصحن الى الثلاجة ونضعه في مؤخرة الرف فالوالده من أول ما تفتح الثلاجه ستعرف أن هناك نقص في عدد الصحون لذا وباسلوبنا سنستطيع خدع العين بأن العدد كامل, ومن الطبيعي أن سطونا أن ينكشف لاحقا وكالعاده لا أحد منا يعلم من فعل ذلك قد يكون أحد أخر من الفضاء.

 

حب وحنان 

مع أنني صرت في العشرينات من العمر ومتزوج لكني في كل مره أمرض بها وأصبح أئئن من حرارة السخونه وقشعررية البروده ألا وأقضي أجازتي المرضية في البيت عند والدتي فالرعاية والأهتمام والحنان اللذين أتلقاهما من أم رياض رحمها الله لا يعادلهما شيئ في الوجود, وطبعا لا أستطيع نكران مالذ وطاب من طعام فأنا (واوا) فمن شوربة الفريكه الى الدجاج والرز وبعض الوصفات الخاصه بأم رياض ففي جعبتها دائما من الطب الشعبي الكثير مما يشفي ويغنيك عن الطبيب, وأطرفها أن تقص حبة البطاطا وتضعها على موضع الألم في قدمك وتلفها بخرقه. الحقيقه أن العلاج كان نفسيا, فقد كانت رحمها الله واثقه مما تفعل وبكلماتها البسيطه الصادقة المفعمة بحبها وحنانها تعطيك اليقين بأن كل شيء سيكون على مايرام وفعلا يحدث.

 

النظافه 

بعد غروب الشمس وبدء أسدال ستائر نهاية اليوم نبدء بسماع نداء ام رياض من شباك المطبخ: رياض, رائد يلى على البيت هلق بيجي أبوكم. ياه أنه الأن أروع وقت للعب "حي الميت" أو الأستغمايه, لكننا نعلم علم اليقين ما سيحدث لنا أذا جاء أبو رياض ونحن مازلنا نلعب بالساحة, ومن بعد النداء الثالث أو الرابع بعد أن يصبح النداء مخلوطا بالوعيد والتهديد ندخل الى البيت, وتواجهنا الوالده بالتأنيب والعتاب وهي تنظر الى أشكالنا الممزوجه بالتراب والعرق وبعض الجروح في الركب, ومع أشارة أصبعها تقول: بسرعة على الحمام ومن هناك ننط الى "البانيو" وتبدء رحمها الله بأزالة كل ماأحضرناه معنا من أوساخ اللعب ولاتكتفي بالماء والصابون بل كان هناك كيس أسود تفرك به ركبنا وأكوعنا السوداء وقد كنا نتألم من دعك يديها للحمنا الغض, لكنها لم تكن ترضى أبدا بالحلول الوسط فكل شيئ يجب أن يكون على أكمل وجه وبسرعة فالوقت يركض وأبورياض على وصول, وما نسمع قفل باب الدار وهو يفتح بمفتاح أبورياض حتى نركض ونحن نلبس بيجاماتنا وشعرنا المبلول قد مشطته أم رياض لنظهر في أبهى صوره أمام رب البيت.

 

طبعا ماتقدم هو قطرة من بحر لكنها اشياء صغيره صنعت منا رجالا. نحمد الله انه أختار لنا ذوالكفل غوشة وزينب صباغ والدين لنا.