رمضانيات 2015
فقط أبطال الفيلم مختلفون-4
يخترق صوت صديقه المنادي غيوم السكون الثقيله
فيخترقها لتقرع أذنية وتصحيه من غفوة طويله, وهو يقول له هاي ياهو ياأبو الشباب
ثلاثة شهور وانت تعمل القهوه ماصارت ولا أستوت خلص رمضان ومر العيدين وأنا
بأنتظارك, فيصحو صاحبنا من غفوة تسعين يوما ويداه تبحث متلعثمه على مفتاح الغاز
لتقطعه فيهدء بركان ركوة القهوه بعد أن سال زبدها على وجه الموقد. يحمل الصينيه
وينزلها بهدوء لتتوازى مع فضاء يد صديقه التي تأخذ الفنجان الأقرب لها ليضع
الصينيه بعد ذلك على سطح الطاوله ويأخذ مكانه بالمجلس.
ويتوجه بوجهه الى صديقه وعيناه تؤكد ما
سيقوله: نعم تسعون يوما ولكنها كأنها يوما أو بعض يوم, فالحال هو الحال فسكوننا لم
يغير من الأحداث التي تتوالى على واقعنا فالليل والنهار يتدافعان علينا وعالمنا
مازال محصورا بين أزرار الرموت نقلب بها الأخبار لنرى مايفعل بنا وجل مايشغل بالنا
ماسيكون غذائنا أو عشائنا, وما يستحل وديان تفكيرنا هو قطعان دنانيرنا ونكات
أحوالنا, ونسكت صوت ضميرنا المنهك من الألم بالدعاء وهو أضعف الأيمان وبالأمل ربما
يحدث شيئ ما من شخص ما في مكان ما ومازلنا متعلقون ببقايا حلم ممزق مهترء بأن يوما
سيرجع خالد بن الوليد أو صلاح الدين فيتغير حالنا.
يسمع صديقه وحواجبه تتعلق بأعلى جبينه
متسائلا: شو القصه, شو صار, ليش كل هل تشاؤوم. أنت غلطان ياصاحبي. فمهما زاد
أسوداد لون حالنا كلما زاد اليقين بقرب روئيتنا لبصيص النور.
فيراجع صاحبنا نفسه ويستدرك ماآلت به أحاسيسه
من أحباط وأنكسار وتتدحرج ثواني السكون وهو ينظر في عمق قهوة فنجانه, لتدب به دفعة
تفاؤول يرى من خلالها زاوية أخرى لصورة الموضوع فيأخذ نفسا عميقا يغسل به ماتأكسد
بصدره ويلتفت الى صديقه ليرسم له مايرى:
ياصديقي ما يتجسم امام ناظري مشهدان الأول
قبل مايزيد عن 1400 عام عندما عزل رسولنا الكريم وكل من أتبع رسالته في أحد شعاب
مكه وحوصرو وقوطعو لمدة ثلاثة أعوام حتى أكلو خشاش الأرض وأوراق الشجر عندما أطلق
لنفسي العنان ليتجول شخص خيالي بينهم أرى الأجساد الهزيله المنهكه والوجوه الكالحه
لكنني أرى بالعيون لمعة التفاؤل والأمل واليقين وتتسائل نفسي ماسر قوتهم كيف لم
تنكسر شوكتهم ماهو الأكسير الذي كان يزيد من صبرهم وعنادهم ويشد من بأسهم
ومجاهدتهم. لقد كان ذلك في بدايات الرساله كانو فئة قليله ضعيفه لم يكن هناك
بالأفق من قوة ولاجهة ولا أي من الأسباب التي نستطيع أن نبني عليها بريق نجاة قريب
يقاس بمقاييس البشر.
أما المشهد الثاني فعزل وحصار نعيشه يوما
بيوم في حصار أهلنا بغزه وقد تكالبت عليهم كل الأمم وأنقلب عليهم الجار والصديق
وصب عليهم مافاق أعتى الحروب من كل أوزان وأشكال الموت والدمار, وقد كان الكل
يعتقد أو يتوقع أن يرى كسر شوكتهم وأستسلام شكيمتهم وتحول عقيدتهم كانت تخرج أمام
الكاميرات من بين الدمار المفروك باللهب والدخان الأم التي تزف أبنها الشهيد
والشيخ الذي يفخر بأولاده الذين أصبحت أجسادهم حصيدا مع أعمدة الأسمنت وأسقف
البيت, والبنت الصغيره التي تنادي ماتبقى من ضمير الأنسانيه وتعبر بكلماتها الصغيره
عدم تنازلها عن أي حبة تراب, والشباب تركض وتنقذ ماتبقى من أنفاس وهي تطير بأجنح
العزه وتتنشق الكرامه. مشاهد أغاظت كل عدو
للأنسانيه وأخافت كل من رأى ماورئها
من نفحة أمل قد تتلقفها الريح فتنتقل الى
أنفاس الأمه فتبعث بها الحياه, فأسدل ستار أسود على المشهد حتى لاترى القلوب نبضة
حق تهتز لها شرايين قد ثملت من شرب اليأس والأستسلام.
ومع توقف صاحبنا عند نقطة أخر جمله يبدء
صديقه بالتصفيق وهو يهلل ويكبر ويقول: تماما فعلا أنه نفس الفيلم يتكرر لايختلف به
الا أبطاله ونهاية الفيلم السعيده معروفه لكنك يجب أن تمر من نفق الأحداث وتعيش
أنقطاع الأنفاس لكن النفق دائما ينتهي بالنور وأنشراح الصدر. الموضوع ببساطه هو
الفرق بين من يرى الحقيقه ويوقن بها وبين من يعرفها ويتجاهلها ويراوغ في تكذيبها
ويريد أن يخرس كل من يذكره بها. كل من ذكرناهم تاقت أنفسهم الى حقيقة الخلود وخبرو
حقيقة السعاده وفرقو بين نعيم الجسد وسمو الروح, وأختاروا ماهو دائم على ماهو
فاني, لقد كشفو سر هذه الحياه بأنها أختيار بين سلم يصعد الى الأعلى يحتاج منك جلد
وصبر وأصرار وبصيره وسلم ينزل الى الأسفل تنزلق به بملذات ويغوص بك بظلمات والصراع
بين من ينزل ومن يصعد كل من الطرفين يريد أن يجر معه الطرف الأخر.
كل عام وأنتم بخير وأن شاء الله نلتقي
برمضانيات 2016 أذا كتب لنا عمر.
رياض غوشه
2 أكتوبر 2015