kharabish

الجمعة، 28 سبتمبر 2012

خرابيش 13 - لحظة فرح

خرابيش 13
لحظة فرح

أقفلت خط الهاتف مع محدثي من السودان وأسندت ظهري ورميت برأسي على ظهر الكنبه وعيوني مازلت 
تنضح بالدموع وأنا أحس بها تترقرق على وجنتي ولساني يلهج ويكرر جملة واحده "الحمد لله" وأنا أسمع عضلات قلبي ترقص طربا وأخذت رويدا أدرك أن الوقت مازال لم يسمع بعد أذان الفجر وأن أيقاعات فؤادي هي الوحيده التي تزعج سكون البيت وهدوئه, بنفس عميق أخذت أهدئ من روع ضلوع صدري وصدى محدثي مازال يدور بجوف أذني وأكرر وأعيد الحمد والشكر لك ياالله على نعمك وفضلك ورحمتك.

وبينما مازلت في مركز عاصفة الفرحه خطر على بالي أن أزور بيت ذاكرتي لأبحث فيها بزوايا غرفها عن أكثر لحظات الفرح في حياتي شيئ شبيه للثواني التي أعيشها وخلف الأبواب وفي بطون الخزائن وعلى الرفوف رأيت ملفات متعدده لكن أيا منها لم أجد فيه نفس الأحاسيس, نفس الشعور بأنك تملك العالم وبأنك أكثر المخلوقات حظا وبأنك خفيف كأنك تطير فوق السحاب وأنت تفتح يديك تريد أن تضم بهم كل الناس لتخبرهم بما أنت فيه من حبور وفرح.

حتى وقع بين يدي ماكان في صيف و خريف عام 1980. كان أخي رائد الأوسط في الترتيب بيننا نحن الخمسة اخوة, والذي يصغرني ببضع سنين قد أنهى الثانويه العامه في الكويت وقد حصل على نسبة نجاح عاليه وهو الذكي المعروف بفطنته, لكن هذه النسبه لم تؤهله لدخول جامعة الكويت مع أنه من مواليد الكويت بسبب سياسة تقليص قبول عدد الطلبه اللذين لايحملون الجنسيه الكويتيه, ومع جهود والدي رحمه الله بتدخل ووساطة من نعرف ومن لانعرف الا أن القدر كان محتما بأن ترفض كل وسائل قبوله بالجامعه الوحيده في الكويت وكان هناك مخرج واحد أمامنا بأن نسلك ونطرق الباب الذي ولج منه الكثير من الطلبه الفلسطينين بالتغرب والدراسه لدى العم سام في مرابع الولايات المتحده.

نظر الي والدي رحمه الله وفي فمه الكثير من الكلام فقرار سفر وغربة واحد من فلذات كبده وأكثرهم شبها به بياضا وعصبية وطيبه يحتاج الى تفكير وتدبير وحساب وبما أنني ابنه البكر والوحيد في الأسره الذي تأهل وعمل وقد أتى الوقت لأن يختبر قدرتي بأن أكون سندا له عندما يكون سؤال الأختبار فوق طاقته.  ياأبني أنت تعلم مقدار دخلي الشهري وكل الفروع التي تنضب ماء جريانه فهل تستطيع أن تقف معي فسفر أخوك وأقامته ومصاريف دراسته ومعيشته مطلوبه منا نحن الأثنين, لسبب ما لم تكن عيناي في العاده تستطيعان النظر مباشره في عيني أبي, فلم يكن والدي من النوع الذي يسأل وقد كانت  معدلات كرامته وعزته عاليه جدا, لكن في داخلي كانت هناك قوه دافعه جعلت ناظريي يتسمران في عينيي والدي أثناء نطق لساني لعبارات تأكيد موقفي الأيجابي كنت أريد أن أقول له أنه هذا الوقت الذي تجني به ثمر مازرعت.
كنت في ذلك الوقت في بدايات حياتي المهنيه فابالأضافه الى عملي كموظف حكومي بجامعة الكويت كنت أعمل كمندوب تأمين ابيع عقود تأمين على الحياه وقد كانت مهنه تتفق مع شهادتي الجامعيه في أدارة أعمال شركات التأمين, وقد كانت وظيفه دخلها يعتمد بالكامل على العموله العائده من بيع التأمين على الحياه, وقد كانت عمولات مجزيه.

طوال شهر كامل من يوم تأكيدي لموقفي أمام والدي كنت أتابع أحد عملائي المهتم بتأمين مستقبل اسرته, كان عقد التأمين الذي ينوي شراءه مني يعودعلي بعموله مجزيه تعادل خمسة اضعاف راتب وظيفتي بالجامعه وهو مبلغ يكفي لشراء تذكرة الطائره لأخي و مايحتاجه للسفر باالأضافه الى مصاريف التسجيل بالجامعه. طوال شهر كامل كنت أعيش الحلم وأنا أنتقل مع عميلي من وعد الى أخر ومن أجتماع الى أخر وهو يسوف في قراره وقد تعددت الحجج والأسباب وأنا معها أخلق المعاذير وأحاول التمني بالأمل وقد اصبحت أراه كسحابة من دخان لاتستطيع اصابعي أن تمسكه, حتى كان مساء يوم وقد قضيت وقتا في مكتب سكرتيرته حتى سمح لي بالدخول ليلقي علي قراره بالرفض والغاء الموضوع وصرف نظره عنه.

الصخرة التي رفعتها ودفعتها وقد كنت أمد برأسي من خلفها لأرى القمه قد أقتربت ولم يبقى أمامي الاالقليل للتربع فوقها سقطت علي وسحقتني وقد جرتني معها لاستقر في القاع من جديد. رجعت الى البيت وقد أنكمش قلبي ضيقا وحزنا وهربت عيوني من كل الرؤوس التي رحبت بي وسحبتني قدماي سريعا قبل أن يلمح أحد ماتخبئه قسمات وجهي من أنكسار وخيبة أمل. مازلت أذكرتلك اللحظات وكأنها حدثت بالأمس, هاتف ما من داخلي اللهمني أن أتوضئ وأصلي ركعتين لله وبينما جبتهي خاضعه لجلالته ولساني يسبح بعلوه بدأت الكلمات تتناثر من بركان أنتكاستي تشكو له مدى ضعفي وحاجتي له وتحكي له وأنا بظل رحمته ماحدث معي وبالأمل الذي تربصت به كثيرا وهرب مني, وصفت له نبل هدفي وجوهر حاجتي ودموعي تتدفق له شاكية من صدق مشاعري تترجى منه المخرج والعون والرزق من حيث لا أحتسب. ظللت على ذلك حتى هدأت نفسي وبرد قلبي. ومن سجادتي الى سريري لا يعلم بسري الا من أودعته أياه.

في الساعة الرابعه والنصف من عصر اليوم التالي كان لدي موعد مع عميل أخر لم أعرفه من قبل وقد كانت هذه أول مرة أراه بها , لم يتعدى الأمر مابين العشرون أو الثلاثون دقيقه كان قد عبئ أستمارة التأمين على الحياه بمبلغ يفوق ماكانت موعود به,  ووضعت له موعد للفحص الطبي وسلمني شيك بقسطه السنوي الأول وخرجت من مكتبه بالسوق التجاري قرب قصر السيف بجانب مبنى البورصه الكويتيه, وبيني وبين نفسي لاأعلم هل أنا في علم أم في حلم, ركبت سيارتي الداتسون الحمراء وقد فتحت كل نوافذها ليتدفق على نسيم الشاطئ وأنا أسوقها عائدا على شارع الخليج العربي وصوت المذياع يرقص معي فرحا أنظر الى كل من حولي وكأنهم جميعا فرحون لفرحتي لأعلم كيف وصلت للبيت لكنني أعلم أنني كنت فوق السحاب ولاتستطيع الكلمات أن تصف روعة الشعور بأن الله معك وأنه راضي عنك. لقد كانت فعلا من أروع لحظات الفرح التي عشتها بحياتي.

لازلت أذكر أخي رائد وهو يحمل شنطه وشمسيته مودعا لنا ومتجها للطائره مسافرا الى الولايات المتحده.

لحظة الفرح هذه عشتها اليوم مرة أخرى عندم وصلتني رساله هاتفيه من أصغر أخوتي بأن أبن عمنا أيمن شوكت غوشه الذي يعمل بالسودان عندما علم بمرض أخونا رائد من تليف بالكبد بسبب فيروس سي الموجب تقدم مباشرة ليكون المتبرع الذي نبحث عنه لعملية زراعة كبد لرائد. لقد كنا قد وصلنا الى مرحله من اليأس عندما مضى وقت على الأعلان الذي طالبنا به من أبناء العمومه بالتبرع ولم يتقدم أحد, وخصوصا أن ذلك حدث بعد أن كنا قاب قوصين أو أدنى من عمل العمليه بفضل تبرع أبن عمنا عزام بدر غوشه جزاه الله خير, لكن الفحوص الطبيه اثبتت أن كبده لايتوافق صحيا مع كبد اخي مما استدعى منا البحث عن متبرع أخر من جديد.

فرحتي بالخبر زادت بفرحتي بحديثي الهاتفي مع  ايمن فمن خلال أصراره وعزمه ومحبته ونخوته وشهامته عشت لحظات من الزمن مابين أمواج بحر المحبه والرحمه والتراحم, وأحسست بلطف اللطيف وعظمته وعطاءه.

ومن بين الحمد والشكر لله , فالحمد الله ان الدنيا بخير وأن هناك الكثير من أهل الخير.

المخربش
رياض غوشه
28 سبتمبر 2012

السبت، 26 مايو 2012

خرابيش 12 - كتاب الوجه

خرابيش 12
كتاب الوجه:"فيسبوك"
بصمتك على جدار الفضاء الألكتروني

كانت البدايه بصفحة "زنقه" قبل مايقارب أثنى عشر عاما حيث بمجرد كونك عضو بها يكون لك صفحه تحرر بها مذكراتك اليوميه التي يستطيع أصدقائك ممن تدعوهم لها أن يطلعوا عليها ويشاركوك بتعليقاتهم وقد أنتشرت هذه الصفحه الألكترونيه وبالذات بين المراهقين الصغار (11-15 عاما) وخصوصا البنات أكثر منها من الأولاد. ثم جائت صفحة مساحتي أو مكاني "ماي سبيس" لتحل بسرعه مكان صفحة زنقه وذلك لما تتميز به من أضافة الصور والملفات الصوتيه للأغاني وكان المراهقون من الفئه الثانيه "14-19" هم أكثر أعضائها ونظرا لأنفتاح الصفحه وعدم خصوصيتها ولسهولة التعارف والتواصل بها مابين الغرباء وبناء صداقات جديده لاقت هذه الصفحه الكثير من العداء والخوف من أولياء الأمور والمربيين مما تفتحه من أفاق تمثل في بعض الأحيان خطرا على الشباب الصغير المنطلق المحب للأكتشاف بدون أكتراث للحذر أو الخوف. ومع نجاح الصفحه المتصاعد بدئت فئات عمريه جديده تنضم اليها وخصوصا من الفنانين والمطربين حيث كانت حقلا غنيا بالمعجبين والمعجبات بفنهم وموسيقاهم. أستمر ذلك حتى ظهرت في السنين القليله الماضيه صفحة كتاب الوجه "فيس بوك".

في أكتوبر من عام الفين وسبعه وصلتني رساله ألكترونيه من صديق عزيز علي لزيارة صفحته عىل كتاب الوجه, وقد لبيت دعوته وكما حصل مع الكثير منكم كان علي أن أسجل معلوماتي وافتح صفحة لي ليسمحلي أن أدخل لصفحة صديقي والتي كان بها ولادة صفحتي على كتاب الوجه. أكتشفت فيما بعد أن الدعوه الألكترونيه كانت من قبل أبنة صديقي التي عملت صفحه لوالدها ودعتني لها. وككثير من صفحات فضائيه أخرى ننضم لها فقط لزياره واحده ومن ثم نهجرها لعدم حاجتنا لها أو عدم أقتناعنا بها كانت كذلك صفحتي على كتاب الوجه مهجوره لسنين أذهب اليها فقط للموافقه على طلبات الصداقه التي تصلني من بعض الأصدقاء و أفراد العائله وخصوصا الجيل الجديد منهم.

لفترة طويله كان أنطباعي الأول عن كتاب الوجه أنه وسيله لنشر الصور حتى يطلع عليها الأهل والأصدقاء وكل بدوره يعلق عليها "ماشاء الله, شو حلو, الله يخليك أياهم, ياريت كنا معكم ..." بالطبع وبناء على هذه التعليقات أصبح أعضاء كتاب الوجه يستغلون كل فرصه للتصوير ونشر الصور وعيش تلك اللحظات اللمتعه بأنتظار ماسيقوله الأصدقاء والأهل ومن ثم الأنتعاش بتلك التعليقات الظريفه التي تفرح القلوب وتطفئ بعض من نار الشوق وتزيد التواصل والمحبه.

لكن كما لكل شيئ أيجابيات فكذلك فأن له سلبيات فالسكين تستطيع أن تقطع بها البصله وكذلك أن تجرح أصبعك وتبكي في الحالتين. كون نشر الصور العائليه في الفضاء المشاع للجميع كان أمرا لايعجبني فببساطه كان أمرا مثيرا للغضب والسخط أذا حدث في القرن الماضي أن رأيت شخصا لاتعرفه يمسك ألبوم صور لزوجتك أو أولادك ويستطيع بسهوله أن يأخذ أي من صورهم ويفعل بها مايشاء ويعطيها لمن يشاء, والمضحك أن أجهزة المخابرات في سنين ماضيه كانت تنفق أموالا طائله على كاميرات ومخبرين للحصول على صور شخصيه لكل من له ملف عندها, واليوم ملفك موجود على شبكة التواصل من أنت وأين كنت ومع من كنت والى أخر تلك الأسئله السخيفه التي عرفتها الشعوب المقهوره. فكل كلمه تكتبها وكل صوره تنشرها يطلع عليها الكثير ممن تعرف أو لاتعرف دون علمك بذلك بعضهم جاء للأستكشاف والبعض الأخر لمجرد الفضول ومرات لأسباب ونوازع نفسيه كثيره يطول ذكرها وشرحها, لكن بالنهايه أنت بمشيئتك الخاصه فتحت هذا الباب على نفسك.

لقد أنتبهت دوائر البحث والتطوير في صفحة كتاب الوجه الى أهمية هذا الموضوع وخصوصا عندما بدأت الأصوات تعلو بأهمية الخصوصيه وحمايتها فأصبح لديك الأن كعضو في كتاب الوجه أن تحدد طبيعة نشر كل صوره أو تعليق بأن يكون خصوصي لك فقط أو لدائرة أصدقائك أو لأي أحد أخر. هذا الأمر شجع موجات أخرى من البشر من على جميع أطراف الأرض للأنضمام الى صفحة الوجه والأستفاده مما تقدمه هذه الصفحه التي يكمن سرها بأنك باللحظه التي تضغط على مفتاح النشر يصل ماتنشره الى كل العالم وكل أحبتك وأصدقائك, سهولة التواصل اللحظي قصرت المسافات بين ساكني زوايا المعموره وزادت أواصر التعارف والموده بينهم. رجال الأعمال وشركات الأعلان والعلاقات العامه أستثمروا هذه الميزه و أنتقلوا من مرحلة استهداف شرائح المستهلكين بالأعلانات على صفحاتهم الى عمل ونشر صفحات خاصه للمنتجات والشركات حيث تستقطب هذه الصفحات عدد كبير من المعجبين وكذلك الكارهين لهذه البضائع والماركات التجاريه, وأصبحت صفحاتهم ساحات للنقاش والنقد والمدح. وكوسيلة تواصل ذات مساحة كبيره من المشاركين والمطلعين دخل كتاب الوجه عالم السياسه وأرادات الشعوب وكلنا شاهد على دور هذه الصفحه في براعم وسهول الربيع العربي وربيع العالم فيما بعد ذلك.

في السنين الأخيره وتماشيا مع دوري في مجال التسويق والأعلام اصبح لزاما علي أن أعرف أكثر عن صفحات التواصل الأجتماعي لدورها الهام في تقديم نتائج افضل لصفحات الأنترنت على محركات البحث, ونظرا للحظات السعيده التي تقضيها زوجتي على صفحات كتاب الوجه وهي تتواصل مع كل صديقاتها وأهلها اللذين لم ترى بعضهم لسنوات طويله وخصوصا على صفحه خاصه بعائلتها من أولاد وبنات العم حيث يقوم كل منهم بنشر الصور القديمه الأبيض والأسود فتزداد التعليقات وتذكر تلك الأيام الماضيه, اصبحت مع الوقت أقضي بعض من وقتي اليومي على كتاب الوجه وأخذت ألاحظ أمور أيجابيه كثيره من هذه الأداة الأعلاميه بدأت تنتشر بين أعضائها وزواها وهي تختلف من مجموعة لأخرى حسب اللغه والعرق والدين والموقع الجغرافي , والملاحظ مابين أعضاء كتاب الوجه من الشرق الأوسط هو اتجاهم الى أستخدام هذه الصفحه كوسيله لنشر الأخلاق الحميده والحكم والنصائح والقصص الهادفه وبالتالي أصبح هناك توجه لقراءة كتب الدين والثقافه والتاريخ لنسخ بعض مما فيها من خلاصات الحكمه والطرائف وكل مايفيد وانتقل ذلك الى الأشعار والثقافه العامه لقد أفرحني ذلك كثيرا وقلت هانحن ودون أن نشعر نرجع الى الأصول والثوابت للنهل منها من جديد وهاهو الجيل الجديد يعود الى كل ماتغنى به الأباء حيث يستخدم تكنلوجيا التواصل لنشر الأخلاق الحميده والتغني بكل ماهو نافع. ومن ناحيه أخرى لاحظت أن هناك مجال واسع للأبتكار الفني أصبح ينمو وبشكل سريع وبطريقه ابداعيه بأستخدام الكلمه والصوره والحركه حيث أصبحت ترى أعضاء صفحة كتاب الوجه وهم يتشاركون في نشر الجغرفيك الفني لمواضيع شتى دينيه وثقافيه وسياسيه وترفيهيه وقد كان أخرها التعاضد والوقوف مع اضراب السجناء في فلسطين وماصاحب ذلك من أستبدال صورة العضو برسم كارتوني للسجين المضرب عن الطعام. وهذه هي البدايه لمساحه كبيره من التصميم والأبداع الفني ماأخذنا منه عباره عن نقطه من بحر كبير.

وفي النهايه وبما أنك قد وصلت معي لقراءة هذه السطور يسعدني أن أشكرك فقد نجحت بأستخدام كتاب الوجه كوسيله لتعريف مدونتي لك ولغيرك.

المخربش
رياض غوشه
27 مايو 2012



الأربعاء، 23 مايو 2012

خرابيش 11- بعد الأمتحان

خرابيش 11
بعد الأمتحان
هو أخر يوم وأخر أمتحان والماده فيزياء لقد أيقذني والدي في الرابعه صباحا ككل الأيام السابقه فساعات الصباح الأولى خير الأوقات لتعمل الجوله الأخيره على كتاب الفيزياء وتتسابق عيناي متنقلة من صفحة الى أخرى تأكل بنهم كل سطر وضعت تحته خطا في الأيام الخاليه وترسله في أشارة ممهورة بختم مهم وهام جدا الى عقلي ليتذكرها ويتأكد من أنها محفوظه بطيات ذاكرتي ومع كاسة شاي ساخنه ودعوات والدتي الدافئه أستطيع أن أغلق دفتي الكتاب وقد أمتلئت بشعور من الطمأنينه مع أن دقات قلبي تحمل مع صداها القلق الذي سيلازمني طوال اليوم.

في الفصل أخذ مكاني على درجي الذي يبعد مسافة متساويه من كل من أقراني بالفصل اللذين تحيط مقاعدهم بي, وبينما يمر المدرس موزعا أوراق الأمتحان باطحا أياها على بطونها ومع التحذير من أن يقوم أي منا بقلب الورقه قبل أن يأذن لنا, يأخذ كل منا بتبادل النظرات مع أصدقاءه أولاد فصله اللذين قضى معهم عام دراسي آخر, نظرات فيها الكثير من الكلام بعضها قلق وبعضها غير مكترث والبعض الأخر متيقن من نفسه.

ويقف المدرس مع مدرس أخر مساعد له في مراقبتنا وكل العيون تنظر في أتجاهه والهدوء التام يعم المكان بأنتظار أشارة البدء التي تنتطلق من شفتيه لنفتح صفحات الأسئله. القلم باليد اليمنى واليد اليسرى تقلب الصفحات وعيوني تقفز من سؤال الى أخر وكلما ترى سؤال أعرف أجابته ينزل مؤشر دقات قلبي وعندما أحس بأن نسبة الأسئله السهله بالنسبه لي تزداد يزداد معها هدوئي وأحس بالأتزان يرجع الى نفسي وأبدء في سباق مع الزمن لأخط أجاباتي وأحدد أختياراتي.

الدقائق الأخيره قبل أن ترفع الأقلام لأقوم بجولتي الأخيره بمراجعة كل أجاباتي فهذه الفرصة النهائيه للتأكد من أنني قد قدمت أفضل ماعندي وتأكدت من كل أجاباتي وأوكل أمري لله وأسلم ورقتي للأمتحان الأخير لهذا العام الدراسي .

ويتحلق الطلاب بعد الخروج من الأختبار كل يحاول أن يعرف أذا كان الأخرين يتفقون معه في أجاباته ويسأل عن الأسئله التي كان متشككا من أجاباته عليها يفرح عندما يعلم بأن ماكتبه كان صحيحا ويصاب بالخيبه عندما يعلم أنه قد فشل بأختيار أجابته. وينادي أحدهم بأن ننطلق فقد كان هذا أخر أختبار وأخر يوم في المدرسة وبداية أول يوم في العطله الصيفيه.

وننتطلق الى بيوتنا ونحن نحس بخفة بعد أن تجردنا من كل الضغوط والقلق من الدراسة والحفظ وكل مايملؤ ذهننا أيام الصيف الطويله القادمه بما تحمله لنا من لعب وسباحه ونوم, ونطوي الطريق الى البيت ركضا من الفرح والحبور.

واليوم مع أشراقة شمس كل صباح نفتح صفحة جديده في عمر أمتحان الحياه فمن سؤال حول نفسك وصحتك ونشاطك الى سؤال حول زوجتك وقلقها وعواطفها ومن ثم سؤال أخر عن أولادك ومتطلباتهم  ومسؤلياتك وتصل الى عملك وماعليك أن تنجزه بيومك وكيفيه تعاملك مع زملائك ورؤسائك ومرؤوسيك وزبائنك وتدخل في أختبارات كثيره للثقه والكذب والأمانه والأخلاص والصدق بالمواعيد وسرعة الأنجاز والمنافسه والتفوق والفشل, وتزداد أسئلة الأختبار صعوبه لتمتحن أيمانك وعقيدتك وأسلوب تفكيرك وردود أفعالك, يساعدك في ذلك شفافية قلبك وصوت ضميرك ورجاحة عقلك.

وساعة ذهابك للنوم هي بعد أجابتك للسؤال الاخير لهذا اليوم لتأخذ راحة لجسدك وعقلك وقلبك ليبدء يوم جديد وصفحة أسئلة جديده في عمر أمتحان الحياه.

وقد أوصى الحكماء بأن دليلك على حسن أدائك في أجاباتك هو اللحظه التي تضع بها رأسك على وسادتك وأنت خالي الذهن ومرتاح القلب وهادئ السريره بأنك فعلت كل ماتستطيع بما يرضي الله ولم تظلم أحد, أو تأذي أحد حتى لو بكلمه أونظره وكان رزقك ومأكلك وملبسك حلالا.

ويجتمع الأصدقاء بصفوف صلاة الصبح ليطمئن كل منهم أن صديقه قد أفلح بأجاباته وأنه مستعد لاسئلة أختبار اليوم الجديد. يختلف أمتحان الحياه بأن لاأحد يعلم متى سيرفع قلمه وستسلم ورقته ليبدء بعدها عطلته الطويله قبل أن يعرف نتيجة نجاحه أو رسوبه.

المخربش
رياض غوشه
23 مايو 2012
  

الثلاثاء، 20 مارس 2012

خرابيش 10 - الى أم رياض مع التحيه 2012

خرابيش -10-
الى أم رياض مع التحيه 2012
رياض ... رياض ... تنادي زينب من جوف غرفتها وقد وصل الصوت الى أذان رياض الذي كان منهمكا مع أخوه رائد الذي يصغره بعامين بصف جيش كامل من الألعاب البلاستيكيه بما يحتويه من جنود وخيول وحاملات جند ودبابات وطائرات, وتعيد أم رياض النداء وقد زادت نبرة الصوت حده وأصبح لصداها وعيد فيقفز رياض من مكانه ويركض وأقدامه الحافيه تلامس بأصابعها برودة هواء المكيف التي تغطي بلاط الأرض وذلك حتى يعود الى مسرح المعركه مسرعا فلايفوته شيء من أثارة اللعب.

يدخل غرفة والديه ليجد والدته واقفة أمام مرآتها (بيرو أوالتسريحه أوالتواليت) وهي تمشط شعرها الأسود الكثيف وتشد على المشط الذي يحاول فك ماتعربس منه وعندما تراني من خلال خصلاته التي غطت وجهها تضع المشط على سطح التسريحه لتمتد بعد ذلك أصابعها الى مكان تعرفه تماما أسفل الغطاء (الجلاله بكسر الجيم) المطرز الذي أشترته من سوق الحميديه بدمشق الصيف الماضي, وتسحب برفق بعض الأوراق النقديه. كان رياض يعلم أن هذا المكان كان موضع وقتي لمبالغ صغيره تضعها أم رياض لمصاريف خاصه تريد أن تقوم بها بنفس اليوم, وقد كان هناك مكانيين أخرين في خزانة ملابسها لما تحتفظ به من مصروف البيت أحدهما في الدرفة الوسطى من الخزانه حيث الملابس المصفطه والمكويه والمرتبه فوق بعضها البعض حيث يكون مكان الحفظ تحت أحدى أبراج الثياب, أما المخبئ الثاني فقد كان في الدرفة الأخيره من الخزانه وبالذات في جيب جاكيت بيج اللون من الصوف الأنجليزي معلق مع ثياب وفساتين أخرى لها.

تمسك أم رياض يد أبنها الصغيره وتضع بها ورقة من فئة النصف دينار وفوقها ورقة من فئة الربع دينار وهي تنظر لعينيه تقول له: هذول السبعمائة وخمسون فلس لخالتك أم سعيد شعث بتوديهم ألها وبتقولها خالتو شكرا هذول من ماما اللي أخذتهم منك إمبارح بسوق النقره, فاهم. فأرد عليها فاهم, وتمسك يدي وقد رأت أنني هممت بالأنصراف وهي تقول أستنى, خود كمان هذا الربع دينار وروح على دكانة أبراهيم وأشتري علبة عصير برتقال "تانج" ورجع مائة فلس الباقي فاهم, وارد عليها فاهم.

وينظر الي أخي رائد وهو جالس على الأرض يكمل صف الجنود وتلتقي عينانا وكأنني أستسمحه قبل أن أتناول بابوجي (نعال أو حفايه أو مركوب) ليقع الجنود البلاستيك الصغار اللذين كانوا يتخذون من بابوجي مكانا منيعا للأحتماء والتخندق والأختباء وأذهب لتنقيذ طلبات والدتي بينما أخي رائد ينفخ من رئتيه بخار عدم الرضا على ما تعب عليه من تجهيز ميدان المعركه وتضاريسه.
كان ذلك في النصف الثاني من عصر أحد أيام الصيف في الكويت, أدق على جرس باب البيت وأنا أمسك علبة التانج في يد والمائة فلس في اليد الأخرى لتفتح أم رياض الباب وعلامات العتاب والقلق واضحة على بشرة وجهها النضرة المشرقه وهي تقول: وينك ياأمي رحت وقلت عدولي صارلك ساعة وين كنت. وتنكسر عيناي فهي لاتقوى على النظر في عينيها وأنا أقول: لقيت أبن جيراننا نبيل الشنيك في الدكان وصرنا نحكي عن المدرسة والدروس و أدخل مسرعا معطيا لها التانج والمائة فلس.

في مطبخها الصغيرتذوب أم رياض بودرة التانج مع الماء البارد وتضع في كل كباية بعض قطع الثلج حتى تطفئ لهيب الشمس التي سارت تحتها كل من عمتي منى غوشه (أم هاني) وأم زهدي النصله اللتين توقفا في محطة بيتنا للأستراحه والزياره قبل ان يكملا طريقهما الى السوق بشارع تونس. لتعود اليهما مرة أخرى بصحنين من الفاكهه وتستمع لحديثهما عما يعانيه أولادهما من الدراسة المسائيه في منظمة التحرير, وبالرغم من الأعتذار والحلفان تصر أم رياض على أن يشربا فنجان القهوه لديها وخصوصا أن البن أحضره  أبو رياض اليوم طازجا من بن العميد ويرافقها صحون أصابع زينب المحلاه بالقطر.

كان ذلك يوم من أيام الدراسه بجامعة أم رياض تعلمنا بها الحساب والأمانه والحب والكرم وحسن الضيافة والأخلاق والطيبه والتواضع.

رحم الله والدينا وجزاهم عنا كل خير

المخربش
رياض غوشه
20 مارس 2012

الأحد، 12 فبراير 2012

خرابيش 9

خرابيش -9-
الأمانه

بعد ساعتين من وصول الرحله الثانيه من الخطوط الجويه الأمارتيه لخطها الجديد من دبي الى مدينة دالاس بولاية تكساس فتح باب القادمين ليخرج الينا كل من والد ووالدة زوجتي جالسان على كرسيين متحركين يجرهما أحد العاملين في المطار من الأفارقة الأمريكيين الذي تبين فيما بعد أنه يتكلم العربيه وأنه من جنوب السودان حيث رافقهما منذ وصول الطائره حتى أنتهاء معاملة دخولهما والتفتيش في الجمارك.

وبعفوية تتأجج بسخونة الشوق ودفئ المحبه تحلق حولهما أسر أبنتيهما وأبنهم كل يحاول أن يبادلهما المودة والحب والاحترام من خلال أحضان وقبلات وسلام وحديث, ومن تعابير وجهيهم المضيئين تستطيع أن ترى علامات الرضا والسعاده بعينيهما وهما يتجولان بنظرهما في وجوه أولادهم وأحفادهم وأنسبائهم وفي كل نظره يطون أيام طويله من التفكير والصبر للوصول الى هذه اللحظه, ويطمئنون قلوبهم الحنونه على حال وأحوال أبنهم وبناتهم المغتربين بعيدا عنهم.

بالأمس السبت الموافق الحادي عشر من فبراير وبعد أسبوع من وصولهما وجه راشد رازفي العم الأكبر لعدنان رازفي الى والد زوجتي وجميع الحاضرين خطابه بأن عدنان قد الح عليه كثيرا بأن يطلب له يد أبنتنا فرح وقد جاء هو اليوم ليطلب فرح كلها وليس فقط يدها وذلك على سنة الله ورسوله فشكره عمي أبو أسامه وبعد حمد الله والثناء عليه ذكر مأمرنا به العلي القدير بكتابه الكريم وماأوصانا به رسوله الكريم بحديثه الشريف وأعلن قبولنا لطلبهم بأن تكون فرح زوجة لأبنهم عدنان وعليه تمت قراءة الفاتحه من جميع الحاضرين وقام العريس بتقبل التهاني والتبريكات واستلام الكثير من القبل والأحضان لحين تم توزيع صحون الكنافه ليتحلا بها كل فاه كريم.

وبعد منتصف الليل وقد بدء الجمع كل يغادر بيتنا وهم يعيدون تهانيهم وتبريكاتهم وقفت والدة زوجتي أم اسامه أمام خالد رازفي والد العريس تشد على يده وتقول له بكل حزم وأصرار هذه فرح غاليه علينا كثيرا وعليك أن تضعها بعينيك وقد أشارت الى عينيه باصبعيها الشاهد والأوسط فتبسم لها ليعلمها بأنه قد أستوعب كلامها وقال لها أمانه أمانه, ثم نظر الي وأنا أقف بجانبهما وقال مرة أخرى أمانه ورددتها معه أمانه.

في اليوم التالي من وصول والديي زوجتي أجتمعت مع كل من عريس أبنتي عدنان ووالده خالد رازفي وهما من الجاليه الباكستانيه في بيتهم لأضع معهم النقاط على كل الحروف ولنفهم سويا بالتفصيل الدقيق عادات وتقاليد كل منا وبما ينص عليه ديننا الحنيف وبما يوصينا به رسولنا الكريم. وفي لحظة أبويه أخذت أنصح عدنان بما علمتني به الحياه وأطلعتني عليه التجربه ليكون عالما ومدركا للمسؤوليه القادم عليها ولأذكره بأن بنات الناس أمانه في أعناق أزواجهم وكلما أتقنت صيانة هذه الأمانه كلما أنعم عليك الله من واسع رزقه وجنات رحمته.

ومازلت أذكر زيارتي لمدينة دالاس في عام 1995 للتعرف على أخت خطيبتي (ذاك الوقت) وزوجها وبعد حديث هاتفي مع والدتهما قلت لها: لقد أحببت والدتك كثيرا فكيف أجعلها تحبني, قالت لي بسيطه: أسعد أبنتها وهي ستحبك كثيرا.

والحمد لله فأن حماتي تحبني كثيرا جدا

المخربش
رياض غوشه
12 فبراير 2012


الخميس، 12 يناير 2012

خرابيش -8- حسن البواب

خرابيش – 8
حسن البواب

في العام الخامس بعد الألفين قررت أن أنفذ مشروعا حلمت به طويلا مجلة شهريه باللغه الأنجيليزيه بأسم المربع الأول هدفها الأول رسم الصورة الحقيقيه للجاليه الأسلاميه في دالاس- تكساس لعكس الوجه المضيئ لأناس تركوا أوطانهم وأحبتهم في سبيل العيش الكريم وكسب لقمة العيش بالحلال وكنت أشعر بضرورة نشر مطبوعة بهذا المضمون لتعمل ولو حتى بنتائج بسيطه بتجميل الأنطباع المشوه الذي رسمته الأله الأعلاميه للأنسان المسلم الأمريكي. وعقدت العزيمه وبدأت العمل كصحفي ومصور ومصمم ومندوب أعلان ولاقيت التشجيع من كل من حدثته عن الفكره والهدف منها.

من زوايا المجله "قصة نجاح" خصصتها لتكون في كل عدد حول تجربة أحد أفراد الجاليه في كفاحه من أجل النجاح والتفوق, وبناء على أتصال هاتفي زارني صديقي اللبناني فادي طباره فتى في العشرينات من العمر أرسله والده ليصبح طبيب أسنان, مهنة لم يتعلق بها قلبه لأنه كان شغوفا بعالم التجاره حيث نجح فادي بتأسيس شركه لتركيت كاميرات التصوير للمحلات التجاريه ومحطات البنزين وقد حقق من عمله الكثير من الربح والنجاح وكان يستشيرني كأخ أكبر بكيفية التواصل مع والده الذي كان حريصا على أن لايخيب ظنه بحلمه بأن يصبح أبنه طبيب أسنان, كان مع فادي صديقه حسن البواب شاب من جنوب اللبنان أرسلته أسرته الى تكساس ليدرس علوم الكمبيوتر , أمام فادي طويل القامه يبدو قصيرا بقميصه الأزرق وبنطولنه الجينز رأيت بعينيه حماس متقد وهو يحدثني عن الساعات الطويله التي يقضيها أمام شاشة الكمبيوتر ليكتشف أسرار الأنترنت وليطور ماتعلمه في برمجة الوب, كان قد أستلم عملا جديدا له مع شركة فدكس وهو في غاية النشاط لوظيفته الجديده وما سيحققه بها.

لم يرى العدد الأول من المربع الأول النور لأن يد واحده لاتستطيع التصفيق, ولم أرى حسن البواب منذ ذاك اليوم.

في الأسبوع الأول من هذا العام أستثمرت بعض من وقتي للأطلاع من خلال الانترنت على الشركات المنافسه لعملي لرؤية صوره أوضح عن السوق, وخلال تصفحي صفحات الوب توقفت وقد عقدة المفاجأه لساني عندما بدئت مشاهدة عرض مصور عن أنجازات شركة ماجيك لوجيك.

العرض يتحدث بإيجاز عن أنجازات حسن البواب صاحب ومدير شركة ماجيك لوجيك التي صنفت من ضمن أول خمسمئة شركه في الولايات المتحده تطورا ونجاحا وأخذت أغوص شيئا فشيئا بالأعمال التي حققها حسن لكبريات الشركات الأمريكيه المعروفه عالميا. في اليوم التالي أتصلت بحسن وأعربت له عن سعادتي بما رأيت وطلبت مقابلته لتهنئته على نجاحه وقد أستقبل هاتفي بكل سرور وموده.

في طريقي الى لقائي مع حسن اليوم كان يختبئ بين ستائر قلبي خوف بأن يكون الشاب الذي عرفته قبل سبعة سنين قد غيرته متع النجاح والشهرة والثروه لكن هذا الاحساس تبخر مع لحظة دخولي مكتب حسن بعد أن وقعت عيناي على أية الكرسي معلقة بجانب النافذه ونسخة من المصحف الشريف في صدر مكتبته وبعض المقتنيات مما يذكره بلبنان. بالرغم من بدلته وقميصه المكوي فأنك للوهله الأولى تحس ببساطة حسن وتواضعه لكنه لايخفي عليك فخره بما حققه في خلال فتره قصيره نسبيا من الزمن وجلست مصغيا لمشوار البواب في عالم التكنولوجيا والأعمال والذي أبتدء مما تعلمه في شركة فدكس ومن معايشته واطلاعه على كيفية العمل بالشركات الكبرى,ومن خلال ماوجهه من مصاعب وكيف تغلب عليها بالتعلم من أخطائه وأصراره على أن يكون دائما متقدما بعدة خطوات على منافسيه وعلى اصراره أن يقدم الافضل مع عدم تنازله عن مايستحقه مقابل مايقدمه من خدمات مما أكسبه أحترام عملؤه وموظفيه ونيله الكثير من شهادات التقدير على مستوى ولاية تكساس والولايات المتحده.

وبلكنته الجنوبيه أوضح لي فخره بأنه عربي مسلم لبناني فلم يغير اسمه الى سام أو زاك وفي أجابته لأحدى القنوات التلفزيونيه عن ان ذلك سيعرضه للتمييز في بلد مثل أمريكا قال أذا كان هناك ستون مليون أمريكي لايريدون التعامل معي لكوني عربي أو لبناني او مسلم فانه مازال هناك ثلاثمئة مليون أمريكي سيحبون ان يتعاملوا معي.

خرجت من عند حسن وأنا أتخيل والدته في جنوب لبنان والفرحة في عينيها لما تراه وتسمعه من نجاح حققه أبن بطنها كيف وهو يتلقى دعوات من جامعات أمريكيه وأوروبيه ليحاضر بها عن عالم الانترنت وآلات البحث بها وكذلك عن العروض المغريه التي يتلقاها من شركات أستثماريه لشراء شركته أو المشاركه بها مقابل ملايين الدولارات.

كم حسن في عالمنا العربي أطفئت شمعته وخنقت وكم حسن في عالمنا الغربي أضاء دروبهم بنور شمعته

المخربش
رياض غوشه
يناير 12 - 2012

السبت، 7 يناير 2012

خرابيش 7 - الخيال والمشاعر والأبداع

خرابيش – 7
الخيال والمشاعر والأبداع

في السنوات الأولى من الطفوله "طفولة الستينات من القرن العشرين" كانت عيوننا تراقب بنهم المسلسلات والأفلام الأمريكيه "أبيض وأسود" والتي كانت معظمها تدور حول الكاوبويز والهنود الحمر وحول بطولات أمريكا والحلفاء في الحرب العالميه الثانيه, كان أكثر ماتتعلق به قلوبنا دور البطل وذكائه وقوته الخارقه وأنتصاره على العدو الشرير. لنعيش دور الكاوبوي كنا نتقلد المسدسات البلاستيك على أن يكن حزام المسدس محكم الربط تحت خصورنا وبيت المسدس مربوط حول فخوذنا, والقبعه أذا توفرت, وعصاة طويله نركبها على أنها الحصان وبالتأكيد لابد من الحبل الذي يختلف طولا وسماكة حسب مايتوفر لنا مما نجده في البيت أو ما نلتقطه من الطرقات والباقي ركض خلف بعضناالبعض وحناجرنا تغرد بلا تعب أو ملل صوت الرصاص والشاطر من يتقن صدى صوت الرصاص عندما يزن من اصابته لجدار صلب كما كنا نسمع من التلفاز. وللتغيير كنا نلعب دور القوات الأمريكيه بمحاربة ألالمان وكانت أسلحتنا مما تستطيع أيدينا أن تصنعه من الخشب كبنادق ورشاشات, وقد كان لي رشاش خاص صغير أخترعته من منشار للحديد حيث أن يدي المنشار تمثلان يدي الرشاش وقد كان مصدر حسد من جميع من يلعب معنا لتفوقه شكلا على الخشب الذي كانوا يحملونه. كان أكثر ماأتقانه هو كيفية رسم الخطط في الهجوم والدفاع وعمل الكمائن للخصم وبالتأكيد تنهتي اللعبه بعدم أتفاقنا وأختلافنا حول من غلب ومن أطلق الرصاص أولا ومن فاز.

حتى نعيش الدور حتى الثماله وننتعش بمشاعر الرجوله والبطوله كان لابد أن ننبطع على البلاط ونزحف أو ننط من على سلالم درج البنايه ونمشي فوق سورها وقمة المتعه أذا كان هناك قريبا منا مشروع لبناء بناية أو شق شارع جديد حيث تكون مخلفات ومواد البناء مسرحا غنيا لمكان المعركه فبين تلال الرمل وخلف أكياس الأسمنت والطابوق المصفوف كنا نركض ونختبئ وتدور رحى معركه عالية الصراخ من اسلحتنا الخشبيه وعلب الصفيح الصغيره التي كنا نقذفها على بعضنا البعض كأنها قنابل يدويه.

كل مساء كنا نرجع الى بيوتنا وقد رسمت أنهار العرق خطوطا على وجوهنا والتراب قد عفر شعورنا وقفزنا وأنبطاحنا قد ترك أثارا على مانلبس من طين وأوساخ وخروق لها في بعض الأحيان, والجروح التي كانت على أكواعنا وركبنا تمثل مصدر فخر لنا لصولاتنا وبطولاتنا. طبعا الوضع كان مختلف تماما مع والدينا لكن بالرغم من التوبيخ والعقاب كانت معاركنا الحربيه تخاض من جديد كل يوم.

وأنا الأن في الخمسينات من العمر مازلت أحمل بين ضلوع صدري نفس مشاعر تلك الأيام وألعب نفس اللعبه مع المنافسين لي في السوق وكيفية الفوز بصفقات جديده وكيف أتجسس من خلال الأنترنت على مايدور حولي فأطور بوسائل التسويق لدي حتى أظل متقدما على غيري وكما هي حسرات الخساره وجلد الذات فهناك حبور الفرح عند النصر والفوز.

"وماالحياة الدنيا الا لهو ولعب"

المخربش
رياض غوشه
يناير 7-2012