kharabish

الثلاثاء، 23 يونيو 2009

اليوم الأول في الثانويه- ثانوية حولي 1970



اليوم الأول في الثانويه- ثانوية حولي 1970

صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وهو يرتل آيات من سورة يوسف يتسرب الى ذهني ويؤخذ دورا في أحلام ساعات الصباح الأولى التي تتصارع بها أحاسيس لذة النوم المدغدغه ببرودة هواء المكيف التي تملؤ الغرفه والمقاومه لواجب القيام مبكرا, محاولا أن يكون غطاء السرير ساترا أخفي به رأسي من صوت والدي الذي ينادينا للمرة الثانيه كل منا بأسمه حتى نقوم للمدرسه. ويستشعر أنفي رائحة البيض المقلي بسمنة كلارا وصوت نضوجه على الغاز مختلطا بصوت أمي التي هي الأخرى بدأت تنادينا بأسمائنا معلنة أكتمال سفرة الفطور حتى نتناوله ساخنا طازجا.

كان ذلك صباح اليوم الأول من الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر 1970 , لقد كان أعلان نهاية أطول عطلة صيفيه تمر علينا فقد أوخر اليوم الدراسي الأول أسبوعين بسبب أنتشار وباء الكوليرا ولظهور بعض الحالات التي يحملها الآيبوون من المصيف, وللوقايه من العدوى في المدارس, ومع اليوم الأخير من هاذين الأسبوعين يفجع العالم العربي بوفاة الرئيس جمال عبد الناصر لتعلن الكويت الحداد سبع أيام وليعم الحزن الشديد كل مرافق الحياه, لقد كان صيفا مميزا وقد عشنا يوما بيوم من خلال الصحف ونشرات أخبار الراديو والتلفاز الحرب الأهليه في الأردن التي عجن بها لحم الأخوه وخضب لون الدم الأزقة والبيوت والطرقات.

بالرغم من ذلك فقد كان يوما مميزا فهو أول يوم لي في الثانويه فها أنا قد أنتقلت من مرحلة الفتوه الى مرحلة الشباب, يعني أنني أصبحت كواحد من الشباب الذين سبقونا الى الثانويه وكنا ننظر لهم نظرت الأعجاب والحسد, ذلك اليوم يعني الكثير لكل فتى مثلي في الثالثة عشر من العمر وقد بدء يرى الحياه بمنظار جديد ونظرات الفتيات أصبح لها معنى أخر وأبتساماتهم أصبحت هدفا ورضى, ولاأخفي مشاعر السعادة عندما كنت أسمع ممن يكبرني من الأقارب والجيران عبارات الأطراء والمباركة: ماشاء الله رياض صار بالثانويه هيوه صار شب, هذه اللي هذاك اليوم كان طوله شبرين هلق صار طولنا, شوف الأيام كيف بتمر بسرعة!

لقد كنت سعيدا وأنا البس قميصي الأبيض والبنطلون الرمادي الشارلستون الجديد, لقد كانت معركه حامية الوطيس مع والدي حتى أستطعت أن أنتزع الموافقة على شراء ذلك البنطلون, بالتأكيد القميص كان ملاصقا لجسمي ذو ياقة عاليه وطويلة الأطراف,لقد كان ذلك الزي تميزا حقيقيا لمرحله جديده بعد أن كرهنا البنطلون الكحلي الذي لبسناه على مدي الثمانية سنوات الماضية.  بعد أن تأكدت على المرأه بأن الشعر مصفوف على الأصول والسوالف متساويه في العرض و الطول توجهت الى مائدة الفطور, كان كل من رائد ورحاب قد سبقوني وقد حاز كل منهما على الربع الأكثر صفارا من البيض وبقي لي ولرامي الربعين الأكثر بياضا, وضعت نصيبي داخل جنبات خبزتي مع كاسة الشاي الساخنه المحلاة بثلاثة معالق من السكر, لتبادرني الوالده رحمها الله وهي تتفقد كل واحد منا : مش حتاخذ شنطتك يأمي, قلت لها متفاخرا: لا أحنا بالثانويه ما منحمل شنط بس الكتب والدفاتر اللي بندرس فيهم وبنلفهم بهذه, وقد أخرجت من جيب بنطلوني حزام مطاطي أحمر اللون ذو مشبك معدني صلب لأطلعها عليه, وقال والدي رحمه الله: كل مابيكبروا بقل عقلهم بدل مايكون مرتب وحامل شنطة بتحفظله كتبه بده يلفهم بجلده, بس بيقلدوا بدون مايفكروا. كلام لم نعطه أي أنتباه في تلك الأيام ولم نكترث به حتى لايكون عائقا في اكمال صورة طالب الثانويه, لكن الأن نعرف تماما كل ماتعنيه الكلمات وخصوصا عندما تغيرت الأدوار وأصبحنا نحن من نقدم النصيحه لأولادنا التي لايعيروها أي أهتمام.

ماأن تنتهي من رشف مابقي من كباية الشاي حتى تبدء بسماع أصوات أولاد الجيران وامهاتهم وهم يتقاطرون للوقوف على باب العماره فيدب بشراينك دفعة من الطاقة تدفعك دفعا للخروج من البيت لكن صوت الوالده يكون سباقا: يمى, غسل أيديك وتمك من البيض قبل ماتطلع. فتتوجه سريعا لتنفيذ التعليمات ولتأخذ النظرة الأخيره من المرأه بأنك أخر تمام.

تتكون عمارتنا السكنيه من ثلاث طوابق في الطابق الأول المكون من أربعة شقق يقطن كل من نبيل الناظر في شقة رقم واحد, وقد كنا نحن في الشقة الثانية بينما كان عمي بدر غوشه في الشقة الثالثة وجارنا عارف شعث (ابو السعيد) في الشقة الرابعة, أم الطابق الثاني فقد كان سمير غوشه في الشقه الخامسة وفايز العلمي (أبوطارق) في الشقة السادسة وعمي شوكت غوشه في السابعة, بينما آل أبوحاتم أبو الهوى في الشقة الثامنه, الطابق الثالث والأخير كان يحتوي على شقتين فقط, التاسعه لأحمد همام (أبو هيثم) والعاشره لعلي عبد الرحيم الشنيك (أبو نبيل), وقد كان سطح البناية يشغل النصف الأخر من الطابق. يحيط بالبنايه ساحه مبلطة بالونيين البرتقالي والأبيض ومزينه بالأشجار وبها ملحقين سكنيين كل منهما يتكون من غرفة نوم وصاله يقع كل منهما على أحد زاويا الساحة الخلفيه, لقد كانت هذه الساحة هي كل عالم الطفوله حيث كان محرما علينا أن نخرج منها خلال اللعب وقد كانت عيون أمهاتنا تنتقل من شباك الى أخر تراقب لهونا وتطمئن على شقاوتنا وتتابع أصواتنا وصراخنا.

خروجك من باب الدار وخطواتك نحو درجات السلم الأخيره قبل الباب الخارجي للعماره أشبهها بخروجك من خلف ستارة المسرح لترى كل عيون الحاضرين وهي تنظر أليك مدققة بملامحك وزيك ومن ثم شكلك العام وبعد ذلك تأتيك بعض التعليقات الملفوفه بالأعجاب أو الملغمة بالأستهزاء والسخريه وعليك أن تكون مستعدا بالرد والدفاع عن النفس, لقد كان هذا الأمر واضحا وظاهرا وخصوصا في هذه المرحلة من العمر عندما يبدء منظرك الخارجي يأخذ حيزا من تفكيرك واهتمامك.


وقفة باب العماره عبارة عن فتره زمنيه تتراوح مابين خمسة دقائق الى ربع ساعة ترى بها كل أولاد وبنات عمارتنا من الأول أبتدائي وحتى الرابع ثانوي, بالنسبه للبنات هي فترة أنتظار الباص وبالنسبه لنا نحن الشباب هي دقائق أنتظار بعضنا البعض حتى يكتمل العدد ونبدء رحلة السير الى المدرسة, هذا العام أصبح سعيد شعث رئيس القافله التي تسير الى مدرسة خالد بن الوليد ومدرسة الحريري ولقد أزداد الركب بالأضافة الى كل من رائد أخي وسمير شعث كل من رامي غوشة, نادر الناظر وهيثم همام, بينما أنا ونبيل الشنيك سنبدء اليوم بأكتشاف طريق سير جديد الى ثانوية حولي للبنين والتي أخذنا أليها اليوم والد نبيل بسيارته الأوستين الأنجليزية البيضاء.

تبعد ثانوية حولي عن عمارتنا مايقارب الخمسة الى عشرة دقائق بالسياره ومن النصف الى ثلاثة أرباع الساعة سيرا على الأقدام, عند دخولنا باب المدرسة توجهنا الى حيث تجمهر عدد من الطلبه الجدد مثلنا الى قوائم الأسماء المعلقه على الحائط لنعرف رقم صف كل منا, لقد كان أسمي مدرج في الصف الأول ثانوي 2 وقد رأيت أسماء أصدقاء لي من مدرسة الحريري المتوسطة معي في نفس الصف مثل سمير زيتاوي, حازم العلمي وعمر القوقا, بينما نبيل قد كان أسمه مدرج في الصف الأول ثانوي 14, ونسير متجهين الى الساحة الرئيسيه في المدرسه أو ساحة العلم وطابور الصباح لقد كان مكتوب باللون الأزرق على بلاط الساحه الأسمنتي الرمادي اللون رقم كل صف في المدرسه حيث عرف كل منا موقع صفه من طابور الصباح, بعد أن أطمئننا على مكاننا من مدرستنا الجديده بدئنا بالسير في اروقة المدرسه للأستكشاف وللوقوف بين الفينة والأخرى للسلام على أصدقاء عرفناهم من المرحله الأبتدائية أو المتوسطه أو من كان يسكن في نفس حينا وكان ملتحقا في مدارس أخرى, وقد أجتمعنا هنا في مدرسة واحده.

الموقف المضحك والذي مارسناه أنفسنا بعد أربع سنين في الثانويه هو نظرة الأستغراب والأستهجان التي كان ينظرها الينا الطلبه الأعلى منا مرتبة والأكبر منا سنا حيث كنا بالنسبه لهم كأطفال صغار مبهرون بكل شيئ حولنا.

ويرن جرس المدرسه على تمام الساعة السابعة وخمسة وأربعون دقيقه ولأنه اليوم الدراسي الأول ترى جسم الطابور كأنه يترنح ومازالت علامات الخمول والأسترخاء باديه عليه وتستطيع أن تسمع بوضوح أحاديث الطلبه وهم يتبادلون أخبارهم وتفاصيل مغامرات السفر والصيف, ويطغى على ضوضاء الكلام أوامر مدرس الرياضة المصري وهو يقول من خلال الميكرفون: "مسافه خذ" فيمد كل طالب يديه لتلمس كتف الطالب الذي أمامه وبذلك تكون هناك مسافه متساويه تقريبا بين كل طالب والأخر, ثم يصرخ أمرا مرة أخرى: "يسار رح" فيضرب الطلبه رجلهم اليسار بالأرض ويضعون كلتا يديهما وراء الظهر, ويعيد مدرس الألعاب بأعلى صوته: "أيه أسترح" فترجع الأقدام الى وضعها الطبيعي واليدين على جانبي الحوض.ثم يتقدم أثنان من طلبة الكشافه لرفع العلم مع موسيقى السلام الأميري الكويتي وينادي أحد طالبي الكشافه "تحيا الكويت" ليعيد معه كل الطلبه على ثلاثة مرات متواليه "تحيا الكويت",  يتقدم بعد ذلك وكيل المدرسه الأستاذ جاسم شاب في الأربعينات من العمر قصير القامه قاسي الملامح, لقد كان أول مره نرى بها وكيل مدرسة كويتي فكل من عرفناه سابقا كان أما فلسطينيا أو مصريا. يأخذ الوكيل الميكرفون موجها كلمة للطلاب مرحبا بهم بعام دراسي جديد وحاثا لهم للأجتهاد بالتحصيل العلمي ثم يوضح عدم تهاونه مع القمصان الملونه أو البنطلونات المخالفه للزي المدرسي ويشدد على قص الشعر وعدم التمادي في تطويل السوالف ويعطي مهلة ثلاثة أيام حيث لن يكون هناك تسامح بعدها. يبدء بعد ذلك تحرك طوابير الطلبه بالسير الى الفصول بأنتظام كل صف وراء الأخر مصاحبا لكل صف مدرس الحصة الاولى من ذلك اليوم.

تقسيم الدروج وموقع كرسي كل منا في الفصل يتم بطريقة من يدخل الفصل أولا يحجز مكانه أولا. كنت أحب دائما أن يكون موقعي في المنتصف بأي من صفوف الدروج الثلاثه,فأنا لاأريد أن أكون مواجها للمدرس وتحت نظره في الدروج الأمامية ولاأحبذ أن أكون مع الطلبه الكسالى اوالذين يعيدون السنه وتكون الصفوف الخلفيه مرتعا لهم يتدارون بها من ملاحظة المدرس ومراقبته, وبهذا الفصل بالذات أحببت أن أكون قريبا من النافذه التي تطل على ساحة المدرسة الداخليه حيث نوافذ الفصل من الجهة الأخرى كانت تطل على سور المدرسه, وقد كان نصيبي على كرسي الدرج الرابع والذي لم أغيره عبر السنوات التاليه.

تبدء الحصه الأولى بتلاوة أسماء الطلبه للتأكد من حضورهم ومن صحة أسماؤهم الثلاثيه وكوسيله للتعارف مابين المدرس والتلاميذ, ويحاول كل طالب منا أن يستقرء شخصية المدرس من خلال الحصة الأولى له أن كان شديدا أو متساهلا, وأن كان متمكنا من التدريس أم ضعيف الشخصيه, وبالتأكيد هناك مدرسون يتركون علامات مميزه في شخصيتك وحياتك وتظل أسماؤهم محفوره في ذهنك وعلى سبيل الذكر لا الحصر فأنا لاأنسى مدرس مصري للألعاب أسمه الأستاذ عبدو عندما كنت في المرحلة الأبتدائيه ومع أنه لم يدرسني لكنه كان يمثل الرعب لكل طلاب المدرسه وقد كان يتميز بصوت جهوري عالي الطبقات مما أغناه عن أستعمال الميكرفون في طابور الصباح وقد كان دائما ترافقه عصاة غليظة ينهال بها ضربا على أي طالب يخالف التعليمات, وكذلك الأستاذ محمد الرمحي في الصف الثالث الأبتدائي الذي حفظنا جدول الضرب بالضرب فعندما يسألك 3 ضرب 6 يجب أن تجيب بالحال 18 أو تفتح يدك للعصاه, وقد أحببت مدرس اللغه الأنجليزيه الاستاذ أحمد صادق في الفصل الرابع متوسط والذي كان يشبه بطل مسلسل اللص الظريف أبيض أشقر يلبس بلايز البولو وقريب جدا من قلوب الطلبه.

مابين الحصة الأولى والثالثه كنا نرى الفصول الأخرى وهي تخرج متواليه متجهة الى مخزن المدرسه ليرجعوا متتابعين أفلين وهم يحملون كتب العام الدراسي الجديد, ويأتي مشرف الجناح الذي يقع به فصلنا ليخبر مدرسنا بأن الدور قد جاء علينا, فنخرج تباعا لنصطف في طابور نقف به أثنين أثنين, ولنسير حتى نقف خلف فصول قد سبقتنا, وبعد أنتظار يبدء طلبة فصلي بالدخول أيضا أثنين أثنين حيث نجد تلالا من الكتب مصفوفه ويبدء أمين المخزن ومساعديه من فراشين المدرسه بتسليمنا الكتب, فهذا كتاب الرياضيات وذلك كتاب الدين وكتاب الكيمياء, وهناك نقص في بعض الكتب الأخرى التي سنستلمها في الأيام التاليه, ونرجع الى الفصل وكل منا فرح بما يحمل من كتب جديده وكله شوق ليرى ماتحتويه دفتيها وهي من سيلازمه على مدى عام دراسي كامل.

لقد كان من نصيبنا ذاك العام أنه كان أول سنه يبدء به تدريس الرياضيات الحديثه والتي تتميز بأن نتعلم كيف نتعامل مع اللانهايه والاشيئ والتي يرمز لها بالدائره والخط الذي يقطعها وقد كان واضحا على مدرس الرياضيات أنه نفسه لم يستوعب بعض الأمور حيث كان يرجع للمدرس الأول للرياضيات في حل بعض المسائل, وقد لفت أنتباهي زميلنا عمر القوقا في سرعة هضمه للماده وتحديه للمدرس في أيجاد حلول أخرى لبعض المسائل.

ومع جرس نهاية الحصة الثالثة وبداية الفرصة الأولى نتوجه مرة أخرى مصطفين خلف بعض أثنين أثنين لنتجه الى المطعم حيث تكون الساعة قد تعدت العاشره صباحا لنتناول وجبة خفيفه مكونه من قطعتين من التوست الأبيض وقطعة مثلثه من الجبن وتفاحة وعلبة لبن مخيض, ومازلت حتى هذا اليوم أستمتع كثيرا في تناول هذه القائمة من الطعام مع أكل البرتقال أحيانا بدلا من التفاح.

تعتبر هذه الفرصه والتي مدتها تقارب النصف ساعة هي المجال الأول للتعارف مع من يجلس حولك من الطلبه, وكطبيعة البشر تعمل في داخلك عوامل جذب ونفور من الوجوه الجديده فالشكل والحركة والتصرف والاسلوب واللون واللهجة حتى الصوت والسكون أو كثر الحركه والأنفعال كلها عوامل تجعلك تميل الى أفراد دون أخرين وتجعلك تحس بأنك أكثر قربا من أشخاص أكثر من غيرهم وتلاحظ ذلك بوضوح على بعض الطلبه اللذين يبدون قريبن كل منهم للأخر من أول يوم بينما هناك طلبة أخرين يحبون الأنزواء أويحددون دائرة الرفاق بمن يعرفه سابقا فقط.

ولقد كنت واحد من هؤلاء الحذرين في علاقاتهم حيث أسير بخطى هادئه في التعرف على الأصدقاء الجدد, فالعوامل المشتركه مهمه بالنسبه لي, تقارب المستوى الأجتماعي والتواضع كانا عاملين مؤثرين في قراري بالأضافه الى أنني كنت أنجذب لمن يكون متميزا بذكاء أو مهاره لكن بدون تكلف أوغرور.

ونرجع سيرا على الاقدام الى المنزل بعد الساعة الثانية ظهرا وكل منا يحمل مجموعة من الكتب لم تستطع جلدتي المطاطيه من أن تلفهم جميعا ويرافقنا أنا ونبيل الشنيك كل من سمير زيتاوي وعمر فايز شهاب الدين وسليمان حسن.

رياض غوشه

23 يونيو 2009

السبت، 16 مايو 2009

سنرجع يوما

عندما تعود الضوضاء الى السكون
ويحس الضوء بأرتخاء الجفون
وينتشر الجسد من عناء السنون
ويسافر البصر بعيدا بما يكون
 وتتسع حدقة السمع لنغم حنون

تأتيني بهدوء على أطرافها تسير
ردائها من خيوط الرمل اصفر منير
وشعرها الندي كالبحر بلاهدير
نسيم الفجر عطرها يملؤ الصدر عبير
ولسواد عينيها الذهبي بريق القلب له أسير

تحتضن لي بكفيها تلال صور
تبذرها بخيالي لتنمو ذكرى وعبر
فتتفتح أزهارها بحكايات ماكان ومر
أريجها العتيق يحملني للطرف الثاني من البر
والوانها تعصر قلبي ليتساقط منه الحنين قطر

وتلمح رقيق دمعة في بياض العين كأمواج بحر
وأحرف كلمة ترطب الشفاه بمذاق مرر
وتسمع صوت خفقة ممزرجة بشهقة المطر
ويتأجج صدري ويثور كطوفان النهر
وأهرب بتعابيري مختفيا خلف الصور
وبلهفة العتاب تسألني هل من خبر
هل من لقاء قريب تعب من أحلام النظر
فكل الزوايا والرمال والقلوب لك منتظر
فاحذر وطأة السنين فطولها يرهق مداد الصبر
فلكل شيئ أوان وبعد الأوان لا تجدي العبر

وتصمت بانتظار رد ونظري بعينيها لايرتد
بعمق سوادهما عيون أعرفها أصطفت كالسد
لكبيرها معي ذكرى والصغيره تركت عشرتها للغد
كلها تردد نفس السؤال متى سينتهي المد
أما آن أن تضع له حد

وتكمم كلماتي بأصابعها فصوتي لايحمل جديد
فقد سئمت نفسها أعذاري ولا تريد المزيد
فالفراق بلغ من السنين عشرين فلا تزيد
والشوق اليك له حرقة وصديد
وتصرخ بألم لا مزيد لا وعيد لا تعيد

وتتركني وحيدا بين جدران ياليت
يحيطني حطام ذكريات من أنعكاسات صور ملئت البيت
وأمواج حسرة بالشوق عاتيه وبآهات ماعانيت
وأركض مسرعا لاهثا لاجئا الى رب البيت
متضرعا ومترجيا سائلا برحمتك يارب كل بيت
فيسري بعروقي نهر نور يضيئ بلا زيت
وتتسارع نبضاتي على إيقاع أمل وؤويا ما توخيت
ويلفني من جديد رداء فرح ويقين بكل مارضيت
وألتفت بنظري باحثا عنها لخبر لقاءها سعيت
تسبقني قدماي ويداي بلأفق ملوحه أنا أتيت أنا أتيت
وصوتي لها صاعدا مبشرا مناديا وواعدا
ياكويت ياكويت
سأرجع الى البيت
سأرجع يوما ماحييت


السبت، 2 مايو 2009

حتى تكون فلسطينيا

حتى تكون فلسطينيا وطنيا وشريفا عليك أن تخاف الله فقط لاغير وخوفك هو خوف المحب على ان لايزعل حبيبه فتعمل كل مايرضيه وتجتنب كل ما ملايرضيه فأنت مع كل من يطيعه ويعمل لمصلحة عبيده دون أن تهتم للقبه أو أنتمائه فمعيار وزن الرجال هو الأعمال ولم يكن أبدا الخطب والشعارات


حتى تكون فلسطينيا حقيقيا ووطنيا فعليك أن تفخر بأنك من أرض المقدسات, أرض ألاقصى, أرض المحشر و أرض السلام وتحب وتحترم كل من يطئ هذه الأرض ويقدسها ويطبق تعاليم الخالق المذكورة في التوراه والأنجيل والقرأن وتعلم وتؤمن وتعمل بكل ما تعنيه كلمة السلام المطعمة بالكرامة والعزه والشرف


حتى تكون فلسطينيا حقا عليك أن تفخر بأن الله قد اختارنا من بين كل شعوب الأرض ليبتلينا بهذا البلاء وهو الخالق العليم بنا, ولقد أثبت هذا الشعب على مر عشرات السنين وعلى الرغم من كل الوان الأضطهاد والتعذيب والارهاب والتشتيت من انه سيظل صامدا وسيظل متعلقا بحقة في ارضه وشرفه وكرامتة وانسانيته وبالرغم من كل المآسي والضغوط والأغراءات فمازالت الأمهات الفلسطينيات يلدن أجيالا يسري في عروقها دم مفعم بالأمل والحيويه والعمل من اجل استعادة الحق مهما طال الزمن, لذا فأن الفلسطيني لا يتمنى الا ظهور الحق ويعلم جيدا مدى المعاناة وألالم التي يعانيها المظلومين من الظالمين ويقف مع كل من يكافح ليسترد حقه


حتى تكون فلسطينيا حقا يجب أن تعلم أنك ورقة التوت التي يستخدمها الأخرين لستر عوراتهم, وأنك الشعار والخطاب الذي يرفعه كل من يريد أن يرتقي على ظهر الشعوب, لكن كما الغريق الذي يتعلق بأي قشة أو الضائع الذي يركض نحو كل ضوء أمل كان هذا الشعب ينخدع بكل بارقة أمل وكان يرجع بعد كل تجربة بمزيد من الفرقة والضياع والشتات


حتى تكون فلسطينيا حقا فقد تكون انت او اباك او جدك قد هاجرت لاحد الدول العربية بداية للعمل حتى تعيل أهلك في فلسطين أو المخيم ومن بعد كمقيما مع زوجتك وأولادك, لقد أثبت العرب والمسلمين في كل مكان تماسكهم ونخوتهم ومحبتهم لأخوانهم الفلسطينيين في محنتهم, والفلسطيني لم يكن أبدا ناكرا للجميل فقد علم وعمل وبنى وربى وفكر وأنتج وكان جزءا لايتجزء من النسيج الوطني لكل دولة فقد احب الفلسطينيون الكويت كحبهم لفلسطين ولم يكن أي من فلسطينيو الكويت راضيا عن أحتلالها وكان هم من اشرفوا على استمرار الكهرباء والماء والمرافق الأخرى, ومن وقفوا مع المقاومة الكويتية ولاينسى أبدا أي فلسطيني فضل الكويت على الفلسطينيين


وحتى تكون فلسطينيا حقا فستكون قد تألمت كثيرا لما حدث في سبتمبر ألاسود فخبرت السنين علمتنا أن الدمار لا يجر الا دمارا وأن قتل الابرياء لم يكن يوما هدفا للشرفاء وأنك كفلسطيني ستدفع ثمن أو جزء من ثمن حماقات غيرك . فالفلسطينيون كانوا أكثر من تألم وتشائم من هذة المأساة


وأخيرا وحتى تكون فلسطينيا حقا فعليك ان تعلم أن عدد الشرفاء والأبطال من هذا الشعب يفوق عدد المنافقين والمنتفعين والبائعين والشارين والمستسلمين والمرتشين بأضعاف مضاعفة وأن هناك من قصص وحكايات الكفاح والصمود والبطولة التي سطرها هذا الشعب في كل وادي وتل وشارع وشجرة زيتون مالا تستطيع أن تحوية ألاف الكتب والقصص وكلنا يعلم كما هو موجود في الكتب المقدسة جميعا أن الحق دائما هو المنتصر وأن السيد المسيح سيصلي بالمسلمين ويقتل المسيح الدجال   

السبت، 21 مارس 2009

الى أم رياض مع التحيه 2009


أعزائي وأحبائي جميعا:

 

ظللت ولفتره طويله مرتبطا مع الأعياد الرسمية للكويت فأول يوم في رمضان هو يوم ما تثبت رؤية الهلال في الكويت وكذلك احتفالي بالعيدين وطبعا لا أنسى العيد الوطني فالكويت بالنسبة لي هي الوطن ودائما أذكر مثلا كان يكرره والدي رحمه الله "نحن لا نرمي حجرا في بئرا شربنا منه" وغدا يصادف عيد الأم وسأنتهز هذه الفرصة لأذكر بعض ذكرياتي مع أمي رحمها الله:

 

فراق ولقاء 

في أخر يوم من الشهر التاسع من السنة التسعين بعد التسعمائة والألف, كانت آخر مرة أتناول طعام الغذاء على مائدة والدي رحمه الله, وبصحبة جميع أخوتي, وعندما حان الوقت للمغادرة عانقت والدي بحراره وقبلت يده وطلبت رضاه ثم أتجه لوالدتي لتعانقني وأنا أحاول بكل ما لدي من قوه أن أتماسك واكون صلبا وأحاول أن أضيف الى الجو روح النكتة وأن كل الأمور عادية وعلينا أن لا نتشجنج ونأخذ الأمور ببساطة, قالت لي أم رياض وعيناها تنظرا الى عيناي كأنها تريد أن ترى كل ما تخبئه نفسي أوربما لتلجئ لي بكل مخاوفها " خائفة أن لا أراك مرة أخرى" فرددت عليها بسرعه مضيفا على صوتي نبرة الواثق مطمئنن أياها "لا تخافي أمريكا قريبه ماهي إلا تذكرة طيارة وثاني يوم أكون عندك" وذهبت. ظللت كلمات أمي ترن في أذني ويزداد رنينها مع كل عام يمضي وأنا بعيد عنها ويعتصرني خوف من أن تترجم هذه التعابير الى حقيقة، حتى جاء والدي لزيارتنا في صيف عام تسعة وتسعين بعد التسعمائة والألف، وكانت أم رياض تقول: " الحمد الله يا أمي اللي شوفتك", والحمد الله أنني رأيتهما ذاك العام. الغريب أن الشطر الثاني من الحوار هو الذي كان صعبا فمع انها ماهي الا رحلة طائره فهاهي تعدت التسعة عشر عاما ولم أستطيع أن أقوم بها.

 

القرصة المفك 

كانت رحمها تريدنا أن نكون في أحسن حال وخصوصا أذا كنا في زيارة ما, فيجب أن نجلس بجانبها مصفوفين كأننا دمى مبتسمين وفي غاية الأدب والهدوء وهي طبعا أشياء مستحيلة بالنسبة لرياض ورحاب ورائد ونحن بعد مازلنا في سنين الطفولة المليئة بالحيوية وحب الاكتشاف واللعب, وفي حال أننا بدأنا بالتعدي على بعض الأت "لا تتحرك من جنبي" "لاتأخذ شيئ حتى أنا أعطيك أياه" "لاتوسخ أوعيك" وبدأنا نسمع "كن وأقعد" و"بس وخلص" ونحن مصرين على مانحن به من حركة ولعب حتى تقوم رحمها الله وبكل هدوء ودون سابقة أنذار بتنفيذ قرصة صغيره في اليد أو الفخذ تسري في عروقنا سريان الكهرباء ونجلس بعدها كألأصنام, ببساطه كانت تمسك اللحم بالأبهام والسبابة وتلف يدها كما تلف المفك مع الشد الى أعلى. بصراحة لقد كانت هذه واحدة من الأدوات التي ورثتها عن أمي في تربية أولادي وقد لا حظت مع ما تسعفني به الذاكره أن خالتي أم جاسم كانت تستدخدم نفس الأسلوب التربوي والظاهر أنه أسلوب كانت تستخدمه جدتنا أم عبدو رحمها الله.

 

للضيوف فقط 

في أي يوم تفتح به الثلاجة في بيت أبورياض الا وتجد صفوفا من مالذ وطاب من حلويات أم رياض, فقد تكون مهلبية وقد غطت وجهها بجوز الهند أو رز بحليب, أوجلي, الى أخر قائمة الحلويات, وهناك رف أخر في الثلاجه من نفس نوع الحلو المتوفر في ذاك اليوم لكنه مصبوب بصحون أو كاسات عادية مختلفة الألوان والأحجام طبعا هذا الرف لحضرتنا أولاد أبو رياض, وياويله وياسواد ليله أذا أحد منا مد يده على مايحتويه رف الضيوف, لكن وبعد أن نخلص على نصيبنا ومازالت شهيتنا تريد المزيد وبما ان والدينا يغطون في نوم القيلوله نقوم بعلمية سطو على مايحتويه رف الضيوف ماهو الى صحن أو صحنين, وبعد أن نملئ بطوننا الصغيره نرجع الصحن الى الثلاجة ونضعه في مؤخرة الرف فالوالده من أول ما تفتح الثلاجه ستعرف أن هناك نقص في عدد الصحون لذا وباسلوبنا سنستطيع خدع العين بأن العدد كامل, ومن الطبيعي أن سطونا أن ينكشف لاحقا وكالعاده لا أحد منا يعلم من فعل ذلك قد يكون أحد أخر من الفضاء.

 

حب وحنان 

مع أنني صرت في العشرينات من العمر ومتزوج لكني في كل مره أمرض بها وأصبح أئئن من حرارة السخونه وقشعررية البروده ألا وأقضي أجازتي المرضية في البيت عند والدتي فالرعاية والأهتمام والحنان اللذين أتلقاهما من أم رياض رحمها الله لا يعادلهما شيئ في الوجود, وطبعا لا أستطيع نكران مالذ وطاب من طعام فأنا (واوا) فمن شوربة الفريكه الى الدجاج والرز وبعض الوصفات الخاصه بأم رياض ففي جعبتها دائما من الطب الشعبي الكثير مما يشفي ويغنيك عن الطبيب, وأطرفها أن تقص حبة البطاطا وتضعها على موضع الألم في قدمك وتلفها بخرقه. الحقيقه أن العلاج كان نفسيا, فقد كانت رحمها الله واثقه مما تفعل وبكلماتها البسيطه الصادقة المفعمة بحبها وحنانها تعطيك اليقين بأن كل شيء سيكون على مايرام وفعلا يحدث.

 

النظافه 

بعد غروب الشمس وبدء أسدال ستائر نهاية اليوم نبدء بسماع نداء ام رياض من شباك المطبخ: رياض, رائد يلى على البيت هلق بيجي أبوكم. ياه أنه الأن أروع وقت للعب "حي الميت" أو الأستغمايه, لكننا نعلم علم اليقين ما سيحدث لنا أذا جاء أبو رياض ونحن مازلنا نلعب بالساحة, ومن بعد النداء الثالث أو الرابع بعد أن يصبح النداء مخلوطا بالوعيد والتهديد ندخل الى البيت, وتواجهنا الوالده بالتأنيب والعتاب وهي تنظر الى أشكالنا الممزوجه بالتراب والعرق وبعض الجروح في الركب, ومع أشارة أصبعها تقول: بسرعة على الحمام ومن هناك ننط الى "البانيو" وتبدء رحمها الله بأزالة كل ماأحضرناه معنا من أوساخ اللعب ولاتكتفي بالماء والصابون بل كان هناك كيس أسود تفرك به ركبنا وأكوعنا السوداء وقد كنا نتألم من دعك يديها للحمنا الغض, لكنها لم تكن ترضى أبدا بالحلول الوسط فكل شيئ يجب أن يكون على أكمل وجه وبسرعة فالوقت يركض وأبورياض على وصول, وما نسمع قفل باب الدار وهو يفتح بمفتاح أبورياض حتى نركض ونحن نلبس بيجاماتنا وشعرنا المبلول قد مشطته أم رياض لنظهر في أبهى صوره أمام رب البيت.

 

طبعا ماتقدم هو قطرة من بحر لكنها اشياء صغيره صنعت منا رجالا. نحمد الله انه أختار لنا ذوالكفل غوشة وزينب صباغ والدين لنا.