خرابيش -10-
الى أم رياض مع التحيه 2012
رياض ... رياض ... تنادي زينب من جوف غرفتها
وقد وصل الصوت الى أذان رياض الذي كان منهمكا مع أخوه رائد الذي يصغره بعامين بصف
جيش كامل من الألعاب البلاستيكيه بما يحتويه من جنود وخيول وحاملات جند ودبابات
وطائرات, وتعيد أم رياض النداء وقد زادت نبرة الصوت حده وأصبح لصداها وعيد فيقفز
رياض من مكانه ويركض وأقدامه الحافيه تلامس بأصابعها برودة هواء المكيف التي تغطي
بلاط الأرض وذلك حتى يعود الى مسرح المعركه مسرعا فلايفوته شيء من أثارة اللعب.
يدخل غرفة والديه ليجد والدته واقفة أمام
مرآتها (بيرو أوالتسريحه أوالتواليت) وهي تمشط شعرها الأسود الكثيف وتشد على المشط
الذي يحاول فك ماتعربس منه وعندما تراني من خلال خصلاته التي غطت وجهها تضع المشط
على سطح التسريحه لتمتد بعد ذلك أصابعها الى مكان تعرفه تماما أسفل الغطاء
(الجلاله بكسر الجيم) المطرز الذي أشترته من سوق الحميديه بدمشق الصيف الماضي,
وتسحب برفق بعض الأوراق النقديه. كان رياض يعلم أن هذا المكان كان موضع وقتي
لمبالغ صغيره تضعها أم رياض لمصاريف خاصه تريد أن تقوم بها بنفس اليوم, وقد كان
هناك مكانيين أخرين في خزانة ملابسها لما تحتفظ به من مصروف البيت أحدهما في
الدرفة الوسطى من الخزانه حيث الملابس المصفطه والمكويه والمرتبه فوق بعضها البعض
حيث يكون مكان الحفظ تحت أحدى أبراج الثياب, أما المخبئ الثاني فقد كان في الدرفة
الأخيره من الخزانه وبالذات في جيب جاكيت بيج اللون من الصوف الأنجليزي معلق مع
ثياب وفساتين أخرى لها.
تمسك أم رياض يد أبنها الصغيره وتضع بها ورقة
من فئة النصف دينار وفوقها ورقة من فئة الربع دينار وهي تنظر لعينيه تقول له: هذول
السبعمائة وخمسون فلس لخالتك أم سعيد شعث بتوديهم ألها وبتقولها خالتو شكرا هذول
من ماما اللي أخذتهم منك إمبارح بسوق النقره, فاهم. فأرد عليها فاهم, وتمسك يدي
وقد رأت أنني هممت بالأنصراف وهي تقول أستنى, خود كمان هذا الربع دينار وروح على
دكانة أبراهيم وأشتري علبة عصير برتقال "تانج" ورجع مائة فلس الباقي
فاهم, وارد عليها فاهم.
وينظر الي أخي رائد وهو جالس على الأرض يكمل
صف الجنود وتلتقي عينانا وكأنني أستسمحه قبل أن أتناول بابوجي (نعال أو حفايه أو
مركوب) ليقع الجنود البلاستيك الصغار اللذين كانوا يتخذون من بابوجي مكانا منيعا
للأحتماء والتخندق والأختباء وأذهب لتنقيذ طلبات والدتي بينما أخي رائد ينفخ من
رئتيه بخار عدم الرضا على ما تعب عليه من تجهيز ميدان المعركه وتضاريسه.
كان ذلك في النصف الثاني من عصر أحد أيام
الصيف في الكويت, أدق على جرس باب البيت وأنا أمسك علبة التانج في يد والمائة فلس
في اليد الأخرى لتفتح أم رياض الباب وعلامات العتاب والقلق واضحة على بشرة وجهها
النضرة المشرقه وهي تقول: وينك ياأمي رحت وقلت عدولي صارلك ساعة وين كنت. وتنكسر
عيناي فهي لاتقوى على النظر في عينيها وأنا أقول: لقيت أبن جيراننا نبيل الشنيك في
الدكان وصرنا نحكي عن المدرسة والدروس و أدخل مسرعا معطيا لها التانج والمائة فلس.
في مطبخها الصغيرتذوب أم رياض بودرة التانج
مع الماء البارد وتضع في كل كباية بعض قطع الثلج حتى تطفئ لهيب الشمس التي سارت
تحتها كل من عمتي منى غوشه (أم هاني) وأم زهدي النصله اللتين توقفا في محطة بيتنا
للأستراحه والزياره قبل ان يكملا طريقهما الى السوق بشارع تونس. لتعود اليهما مرة
أخرى بصحنين من الفاكهه وتستمع لحديثهما عما يعانيه أولادهما من الدراسة المسائيه
في منظمة التحرير, وبالرغم من الأعتذار والحلفان تصر أم رياض على أن يشربا فنجان
القهوه لديها وخصوصا أن البن أحضره أبو رياض
اليوم طازجا من بن العميد ويرافقها صحون أصابع زينب المحلاه بالقطر.
كان ذلك يوم من أيام الدراسه بجامعة أم رياض
تعلمنا بها الحساب والأمانه والحب والكرم وحسن الضيافة والأخلاق والطيبه والتواضع.
رحم الله والدينا وجزاهم عنا كل خير
المخربش
رياض غوشه
20 مارس 2012