خرابيش-4
جوزالين
أخذت عجلات
البسلكليت تنط فوق الصخور الصغيره التى تملئ الطرقات الضيقه التي تتلوى بين البيوت
المهترئه ويتطاير رذاذ الماء المختلط بطين الأرض ليرتطم بسيقان ساعي البريد
الدقيقه وهو يحث الدراجه لتصل بسرعه الى منزل جوزالين فهو يحمل لها رسالة أنتظرتها
طويلا وستفرح بها كثيرا.
بالفعل كانت
جوزالين تنتظر رسالة الموافقه من مكتب توظيف في مانيلا كانت قد قدمت أوراقها له
قبل عام مضى وقد كانت الأسره كلها من والديها وأختيها وزوجها قد جمعوا كل مالديهم
من مال لدفع رسوم المكتب لعل وعسى تحصل على عمل في احدى دول النفط العربي حيث
ستكون هذه الوظيفه بئر النفط الذي سيتدفق بمصاريف علاج والديها وتعليم أولادها
ومساعدة زوجها العاطل عن العمل وتصليح سقف البيت الصغير الذي لايحميهم من المطر
وشدة الحر والبرد.
لقد تأخر وصول
الرسالة كثيرا وقد وصلت في وقت من المستحيل على جوزالين أن تسافر به, فهي حامل
بالشهر السادس وتعاني الكثير لسوء التغذيه ولضعفها وألام حملها لاتستطيع بتاتا أن
تسافر لتعمل خادمة لدى أحدى العائلات في الكويت. أجتمع أفراد الأسره وهم في صراع
بين الفرحة بحصول ماكانوا ينتظرونه طويلا وبين أن الفرصه ستضيع لعدم قدرة جوزالين
على السفر ودار نقاش طويل مزق بكثير من الصراخ والبكاء والأقتراحات حتى أجتمعت كل
الأراء على حل واحد.
سالي الأخت الأصغر
لجوزالين تعمل منذ سنتين كمدرسة في مدرسة القريه الأبتدائيه راتبها الضيئل يصرف
جميعه على عائلتها الكبيره لم يكن يوما من أحلامها أن تسافر بعيدا عن قريتها ومع
أنها كانت ترى ماتعمله التحويلات الشهريه التي تأتي من بنات حيها اللاتي ذهبن
للعمل في الخليج العربي في بيوت جيرانهم الا أنها كانت تخاف كثيرا من القصص
والحكايات التي كانت تروى مما كان يحدث في تلك البلاد التي تبعد الاف الكيلومترات
عن قريتها الصغيره.
مع كل بكاء سالي
ورفضها الى أن جميع أهلها وحتى جيرانهم وصديقاتها أستمروا في محاولات أقناعها
والأصرار عليها وحتى أجبارها بالقوه في بعض الأحيان فقد ضحى الجميع بكل مدخراتهم
لتصل هذه الفرصه لهم وجميعهم رأى النعم التي يتمرغ بها جيرانهم اللذين عملت بناتهم
في دول البترول وعلى سالي أن ترضى بأن تسافر بجواز أختها الذي طبعت عليه الفيزا
وأنها من اليوم ستكون جوزالين وليست سالي.
من خلال دموعها
التي ملأت عينيها أخذت تنظر الى أضواء مانيلا وهي تبعد رويدا رويدا عنها وهذه أول
مره لها تركب الطائره وتسافر بعيدا عن وطنها الفلبين, ومع كل محاولاتها لكظم حزنها
وخوفها ألا أن صوتها أختلط بصوت الفتاه التى كانت بجانبها هي الأخرى كانت بنفس
أحوال سالي (جوزالين) وقد أمتلئ ذهن كل منهما مما عانته بنات أخريات مثلهم سافرن
قبلهن ورجعن بقصص من الرعب والظلم فمن النوم على بلاط المطبخ الى منع الطعام عنهم
لبعض الهفوات بالاضافه الى العمل المتواصل طوال الأسبوع غير تحرش صاحب البيت أو
أقارب له بهم, ألا أن الفتاه الثالثه التي كانت تجلس على الطرف أخذت تهدئ من حالهم
وتطمئنهن فقد كانت محظوظه بالعائله التي تعمل معهم من ثلاث سنوات فهم يعاملونها
مثل بناتهم ويخافون عليها ويحبونها وهن تعتبرهم عائلتها الثانيه. أخذت ماريا تصف
لهم الكويت وعادت الناس هناك وأحوالهم وتقص عليهم بعض قصصها هناك وبنفس الوقت تحرص
عليهم بنصائحها وكيف يتصرفون مع أصحاب البيوت التي سيعيشون بها.
لم أعرف لماذا
كانت جوزالين لاتشبه الصوره التي على جواز السفر مع أننا أحببنها لحبها ورعايتها
لأولادنا وسافرت لزيارة أهلها في صيف عام
1990 ولم ترجع بسبب أحتلال الكويت من قبل العراق ومازال أولادي يذكرونها بالخيرحتى
اليوم.
كتبت ماسبق وأنا
أحمد الله أن أي منا أو من أولادنا لم يعرف الخوف والأحساس المرعب التي مرت به
سالي (جوزالين) وحتى نذكر النعم التي أكرمنا بها أرحم الراحمين
المخربش
رياض غوشه
ديسمبر 23-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق