خرابيش -2
بكره بتشوف
بعد أربعة شهور من زفافي الأول في عام 1982
سافرت أسبوعين عسل الى أسطنبول, هذه المدينه تعني لي حضارة الأسلام من فن وأبداع
واصاله كانت بالنسبه لي نور الألهام بالاضافه الى أنني كنت أرى من أنعكاسات
شوارعها القديمه وأبنيتها وحجارتها وأشجارها وياسمنيها وشقائقها عبق فلسطين
وحنينها وكعكها وباعتها المتجولون وأسواقها العتيقه.
كان الوقت بعد صلاة العصر وقد كنا أفلين من
رحلة بحريه الى جزر الأمراء و كان هناك مسجد عتماني قريب من الميناء فولجنا اليه
لأداء الفريضه والراحه وأسندنا ظهرينا الى أحدى جدرانه نتأمل في فن العمارة الأسلاميه
ونضيع بين زخرفة النحاتين وخطوط الخطاطين وكان هناك فوج من السياح الأوروبيين
يتجول في زوايا المسجد بقيادة دليل سياحي تركي يشرح لهم بالأنجليزيه تاريخ المسجد
وأمجاده وأقترب الفوج وأصبحنا بحكم موقعنا القريب منهم نستمع الى مايقوله الدليل
الذي كان يزيد ويبهر ويملح برواياته وكأنها من قصص الف ليلة وليله هدفه الأول أن
يجذب أنتباح السياح ويمتعهم بقصص بعض منه من تأليفه وشطحات خياله مما جعلني اقوم
من مكاني وبدون أن أثني التفكير بما أفعل وأطلب الأذن منه لتصحيح مايقوله لهم مما
أعلمه من تاريخ الدوله العثمانيه وبما أعرفه مما قرأت وأطلعت عليه ومن ثم أرجع
لمكاني.
كان يراقب مايحدث رجل في الأربعينيات من
العمر يلبس بزة عسكرية بيضاء متوجة ببعض الرتب قام من مكانه وجلس الى جانبي وبعد
السلام تحدث لي بلغة عربية ركيكه من أين أنتم, قلت له من فلسطين القدس.
وكانت كلماتي كأنها رأس دبوس أصاب جدار بالون
مليئ بالأسى والحزن, أخذ مصطفى يتسأل عما حدث قبل أسابيع من مذابح في مخيمي صبرا
وشاتيلا ومن خلال دموعه وصوته الذي يجهش بالبكاء يصف ماوصل به حال المسلمين وكيف
أصبحنا مستسلمين ضعفاء يفعل أي كان مايريد بنا دون أن نستطيع حتى أن نعرب عن ألمنا
ووجعنا وليس لنا أي أراده للمطالبه بحقنا. لم يكن أمامي وأنا مازلت لم أبلغ بعد
الرابعه والعشرون من العمر ألى أن أقوم بدور المواسي للرجل للتخفيف عنه وقد هالني
وفاجأني مالقاه في حضني من مشاعر جياشة صادقه حطمت كل مابني بيننا من أسوار الغربه
والتفرقه واللغه والعمر لنكون فقط أخوين بالله. أصر مصطفى أن نذهب معه الى بيته
ونتناول طعام العشاء مع أسرته وقبلت دعوته بالرغم من مخاوف زوجتي السابقه وتحذيرها
بأننا سنذهب الى عرين من لانعرف وقد يكون ذلك مقلبا أو فخا منصوب لنا ونحن غرباء
في بلد غريب عنا. لكنني كنت أتبع بوصلة قلبي التي لم يهتز عقربها قيد انمله.
من خلال المواصلات البريه والبحريه العامه
وصلنا مع مصطفي الى شقته الكائنه في بناية بالجانب الشرقي من أسطنبول وعند الباب
طلب منا أن نخلع أحذيتنا وأعطى كل منا من خزانة خاصة قرب الباب مركوب (بابوج)
لندخل الى مملكته وسمعنا حديث دار بينه وبين أهل بيته لتأتي بعد ذلك زوجته وأولاده
ويرحبوا بنا بينما أصطحبني هو الى غرفة الضيافه لنجلس معا بينما يعد طعام العشاء.
عرفت من مصطفى أنه تعلم العربيه من خلال عمله
بالسفارة التركيه في ليبيا التي يعمل بها زوج أخته كسكرتير أول وأخذت أتحدث له عن
مشاهداتي في تركيا التي يحكمها العسكر في ذلك الوقت والتي ينتشر بها كل مايغضب
الله بكل ركن وزاويه والفقر القاسي الذي يعاني منه الناس والمتسولين في كل مكان
وأهمال المساجد وأنتشارالرذيله والأباحيه, وبنفس الوقت أستغراب الناس من رؤيتهم
لحجاب زوجتي السابقه وترحيب البعض بنا وأظهار حبهم للاسلام.
أبتسم مصطفي وقال أن الأسلام بخير وكل ماتراه
هو سحابة صيف وستنجلي يوما ما بأذن الله ومارأيته في مركز المدينه يختلف عن
أطرافها وقراها حيث الشعب التركي المسلم الأصيل الطيب الكريم, قال هل تعلم أن كل
مساجد أسطنبول ذوات الألف مأذنه لاتنفق عليها الدوله ولا ليرة تركيه واحده والشعب
التركي المسلم هو من يقوم على صيانتها ونظافتها, وأزداد حماسا في حديثه وأخذني من
يدي الى غرفة نومه وأخرج لي من تحت سريره صندوقا من الكرتون مليئه بأشرطة الكاسيت
لدروس دينيه وخطب العديد منها للشيخ كشك رحمه الله, وقال لي الأسلام بخير وراح
تشوف.
بعد عشرة أعوام من ذلك اليوم وبهيوستن تكساس
كانت أشرطة الشيخ كشك هي من قومت أسلامي وأحدثت زلزالا في تكويني وكياني , وبعد
عشرة أعوام بعدها رأيت السحابة وهي تبدء بالتفتق والأختفاء في تركيا وبعد عشرة
أعوام تلتها ها نحن نرى شعاع النور يخترق كل الغيوم السوداء ويقشع الغبار الذي
أرمد العيون ويحدث زلزال أخر في كيان الأمه وتكوينها.
لاأعلم أن شهد مصطفى بزوغ الفجر الجديد أم لا
وأثاب الله عنا كل مصطفي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وكل بقاع أمة محمد
المصطفى صلى الله عليه وسلم.
المخربش
رياض غوشه
ديسمبر 11, 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق