الى أم رياض مع التحيه 2017
وكل الأمهات الاتي ولدن في الثلث الأول من
القرن الماضي
في عيد الأم من هذا العام توقفت انظر بصفحتي
البيضاء وأنا أتبارز مع عقلي وذاكرتي ماذا سأكتب لوالدتي, وتتدفق نهر الأفكار
والصور حتى غمر ممر جديد وأنا الأن جد وبناتي أصبحن أمهات. أمهات اليوم لايعرفن
مامر بأمهاتنا وأحسست بثقل مسؤولية أن أبلغهم مانعرفه مما عانين منه في زمن يختلف
عن زمانهن.
بسبب الحربين العالميتين الأولى والثانيه
وزوال الخلافه العثمانية وولادة الدول العربيه, في تلك السنين العصيبه من فقر ومرض
وخوف نبتت وترعرت أمي رحمها الله, كانت أول تضحيه لها هو حرمانها من التعليم بسبب
القروش المعدوده وتفضيل الذكر حتى يكون عونا لرب الأسره. مع ذلك فقد كانت ذكيه
ومعلمه فلا أنسى أصبعها يدل عيني في الكتاب حتى أنسخ الحروف وصوتها يكرر علي
الكلمات ويشجعني على المثابره والأجتهاد.
كان عدد الناس أقل والطرق ضيقه ومظلمه
والمواصلات قليله والأحراش والغابات في كل مكان, كان من الطبيعي سماع عواء الذئاب
في الليل وقصص الرعب والجن تملئ القلوب خوفا, مازلت أذكر حديثها عندما كانت تمشي
في الطريق وفي الجانب الأخر منه أفعى كبيره تزحف, وكيف كانت اطرافها تنتفض من
الخوف ومع ذلك أستمرت في سيرها لمقصدها.
كانت دور السينما قليله والفيلم المصري مهيمن
على الشاشات فكانت وهي ترينا صورها القديمه تذكر لنا كيف ان تصفيفة الشعر كانت مثل
تسريحة شاديه والفستان مثل فستان فاتن حمامه, وكيف كن وهن فتيات في عمر الزهور
فارس أحلامهم يركب سيارة بيضاء مكشوفه وبيده سيجاره مثل رشدي أباظه.
كان
والدي يقول أنه كان فتى في مقتبل العمر ويتذكر أنه في زيارة لبيت جدي رفع أمي
ووضعها على الطاوله وقد كانت بنت صغيره. فوالدتي وغيرها في ذلك الوقت تزوجن وهن
فتيات في عمر الزهور, فلم يعرفن قصص الحب والغرام لكنهم بنو بالحب أعظم البيوت
وكانت نسبة الطلاق في ذلك العهد ضئيله جدا.
السعي للرزق والبحث عن لقمة العيش اخرج
الشباب الى حيث نقود النفط, في الخمسينيات سافرت العروس من أرض الجبال والخضرة
والماء الى لهيب الشمس وصفرة الرمال حيث يعمل العريس والى بيت الزوجيه بعيدا عن
الأم والأهل حيث لاهاتف ولافاكس او انترنت. المهمه الأولى لسيدة البيت الجديده
والوحيده هي أطعام كتيبة من الأخوه واولاد العم والأصحاب اللذين قرصت الغربه
بطونهم وأشتهت أطباق لاتذكر منها الا أسمائها. في اليوم الأول والطبخة الأولى كانت
كرشات وفوارغ!
في تلك الأيام لم تكن أمارة الكويت دولة بعد,
لم تكن الشوارع مضاءه, ونعمة المكيفات كانت مقتصره على بعض البيوت, لم تكن هناك
عمارات وكان السكن في بيوت عربيه مجموعه من الغرف حول ساحة مفتوحه تتلقف كل ما
ترميه السماء من شمس حارقه وغبار الصحراء ورطوبة البحر, كان منظر الفئران تركض في
الزوايا طبيعيا ومعتادا عليه, كان الماء ان لم يكن به بعض الملوحه ففيه بعض
التراب. ومع ذلك كانت تعمل طوال اليوم ليكون البيت نظيفا مرتبا وجنة لزوجها.
وجاء الأولاد, أني أتحدى أمهات اليوم أن يلفن
مؤخرة أطفالهم بخرقة قماش بيضاء وبعد أن يقضي الطفل حاجته تنظف ما تسرب منه وما
أصبح أثرا بالبيت مع حركته ثم تنظف خرقة القماش وتشطفها ثم تغليها في ماء ساخن ومن
بعدها تغسلها مرة أخرى وتنشرها على حبل غسيل لتيبس تحت اشعة الشمس لتبدء مرة أخرى
وتلتف حول مؤخرة الطفل. هذا مع العلم انه لم يكن هناك في ذلك الوقت غسالات وكان
البابور هو سيد الموقف وصوته الجشي يصدح بالبيت, وكانت هذه الخرق تدعك وتعصر
باليد. كانت صيدلية البيت تحتوي على زيت الزيتون, وزيت الخروع والسيرج, والأسبرين,
والدواء الأحمر والأسود, والمرهم الأسود, وماء الغريب وماء الزهر. وكانت الوالده
دكتوره بوصفات خاصه من هذه الصيدليه والاعشاب والخضار مما يغلى أو يعصر
ومما يدهن
او يشرب مع بسم الله والمعوذات والولد بيقوم زي الصلاة على النبي.
هذه قطره من فيض كثير, الله وحده يعلم مامرت
به امهاتنا حتى صنعو منا رجالا ونساء وأباء
وأمهات, ولايسعنا هنا الأ الدعاء لهم
بالمغفره والرحمه وأن يحسن الله ختامنا ويجمعنا بهم بصحبة سيد الخلق في الفردوس
الأعلى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق